الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( كتاب البيوع )

                                                                                                                                الكلام في هذا الكتاب في الأصل في مواضع في بيان ركن البيع ، وفي بيان شرائط الركن ، وفي بيان أقسام البيع ، وفي بيان ما يكره من البياعات وما يتصل بها ، وفي بيان حكم البيع ، وفي بيان ما يرفع حكم البيع .

                                                                                                                                ( وأما ) ركن البيع : فهو مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب ، وذلك قد يكون بالقول ، وقد يكون بالفعل ( أما ) القول فهو المسمى بالإيجاب ، والقبول في عرف الفقهاء والكلام في الإيجاب ، والقبول في موضعين : أحدهما في صيغة الإيجاب والقبول ، والثاني في صفة الإيجاب والقبول ، ( أما ) الأول فنقول - وبالله التوفيق - الإيجاب والقبول قد يكون بصيغة الماضي ، وقد يكون بصيغة الحال ( أما ) بصيغة الماضي فهي أن يقول البائع : بعت ويقول المشتري : اشتريت ، فيتم الركن ; لأن هذه الصيغة وإن كانت للماضي وضعا ، لكنها جعلت إيجابا للحال في عرف أهل اللغة والشرع ، والعرف قاض على الوضع وكذا إذا قال البائع : خذ هذا الشيء بكذا أو أعطيتكه بكذا أوهو لك بكذا أو بذلتكه بكذا وقال المشتري : قبلت أو أخذت أو رضيت أو هويت ونحو ذلك ، فإنه يتم الركن ; لأن كل واحد من هذه الألفاظ يؤدي معنى البيع وهو المبادلة ، والعبرة للمعنى لا للصورة .

                                                                                                                                ( وأما ) صيغة الحال فهي أن يقول البائع للمشتري : أبيع منك هذا الشيء بكذا ونوى الإيجاب فقال المشتري : اشتريت ، أو قال المشتري أشتري منك هذا الشيء بكذا ونوى الإيجاب وقال البائع : أبيعه منك بكذا ، وقال المشتري : أشتريه ونويا الإيجاب ; يتم الركن وينعقد وإنما اعتبرنا النية ههنا وإن كانت صيغة أفعل للحال هو الصحيح ; لأنه غلب استعمالها للاستقبال إما حقيقة أو مجازا فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية .

                                                                                                                                ولا ينعقد بصيغة الاستفهام بالاتفاق بأن يقول المشتري للبائع : أتبيع مني هذا الشيء بكذا أو أبعته مني بكذا فقال البائع : بعت ، لا ينعقد ما لم يقل المشتري : اشتريت ، وكذا إذا قال البائع للمشتري : اشتر مني هذا الشيء بكذا فقال : اشتريت ، لا ينعقد ما لم يقل البائع : بعت .

                                                                                                                                وهل ينعقد بصيغة الاستقبال وهي صيغة الأمر بأن يقول المشتري للبائع : بع عبدك هذا مني بكذا فيقول البائع بعت قال أصحابنا رحمهم الله ولا ينعقد ما لم يقل المشتري : اشتريت وكذا إذا قال البائع للمشتري : اشتر مني هذا الشيء بكذا ، فقال : اشتريت ، لا ينعقد ما لم يقل البائع : بعت عندنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي رحمه الله ينعقد ( وجه ) قوله أن هذه الصيغة تصلح شطر العقد في الجملة ، ألا ترى أن من قال لآخر : تزوج ابنتي ، فقال المخاطب : تزوجت ، أو قال زوج ابنتك مني ، فقال : زوجت ، ينعقد النكاح ؟ فإذا [ ص: 134 ] صلحت هذه الصيغة شطرا في النكاح صلحت شطرا في البيع ; لأن الركن في كل واحد منهما هو الإيجاب والقبول ، ولنا أن قوله : بع أو اشتر طلب الإيجاب والقبول وطلب الإيجاب والقبول لا يكون إيجابا وقبولا ، فلم يوجد إلا أحد الشطرين فلا يتم الركن ، ولهذا لا ينعقد بلفظ الاستفهام لكون الاستفهام سؤال الإيجاب والقبول لا إيجابا وقبولا ، كذا هذا وهذا هو القياس في النكاح إلا أنا استحسنا في النكاح بنص خاص وهو ما روى أبو يوسف أن { بلالا خطب إلى قوم من الأنصار فأبوا أن يزوجوه فقال : لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أخطب إليكم لم أخطب فقالوا له : أملكت } ولم ينقل أن بلالا رضي الله عنه قال : قبلت فتركنا القياس هناك بالنص ، ولا نص في البيع ، فوجب العمل بالقياس ; ولأن هذه الصيغة مساومة حقيقة فلا تكون إيجابا وقبولا حقيقة ، بل هي طلب الإيجاب والقبول ، فلا بد للإيجاب والقبول من لفظ ; آخر يدل عليهما .

                                                                                                                                ولا يمكن حمل هذه الصيغة على المساومة في باب النكاح ; لأن المساومة لا توجد في النكاح عادة ، فحملت على الإيجاب والقبول على أن الضرورة توجب أن يكون قول القائل زوج ابنتك مني شطر العقد ، فلو لم تجعل شطر العقد ، لتضرر به الولي لجواز أن يزوج ولا يقبل المخاطب فيلحقه الشين فجعلت شطرا لضرورة دفع الضرر عن الأولياء ، وهذا المعنى في باب البيع منعدم فبقيت سؤالا فلا يتم به الركن ما لم يوجد الشطر الآخر .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية