الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) حكم الدخول في بيت الغير فالداخل لا يخلو إما أن يكون أجنبيا أو من محارمه فإن كان أجنبيا فلا يحل له الدخول فيه من غير استئذان لقوله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } قيل تستأنسوا أي تستأذنوا وقيل تستعلموا وهما متقاربان لأن الاستئذان طلب الإذن والاستعلام طلب العلم والإذن إعلام وسواء كان السكن في البيت أو لم يكن لقوله تعالى { فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم } .

                                                                                                                                وهذا يدل على أن الاستئذان ليس للسكان أنفسهم خاصة بل لأنفسهم ولأموالهم لأن الإنسان كما يتخذ البيت سترا لنفسه يتخذه سترا لأمواله وكما يكره اطلاع الغير على نفسه يكره اطلاعه على أمواله وفي بعض الأخبار أن { من دخل بيتا بغير إذن قال له الملك الموكل به عصيت وآذيت فيسمع صوته الخلق كلهم إلا الثقلين فيصعد صوته إلى السماء الدنيا فتقول ملائكة السماء أف لفلان عصى ربه وأذى } وإذا استأذن فأذن له حل له الدخول يدخل ثم يسلم ولا يقدم التسليم على الدخول كما قال بعض الناس لقوله سبحانه وتعالى { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } ولأنه لو سلم قبل الدخول فإذا دخل يحتاج إلى التسليم ثانيا وإن لم يؤذن له بالدخول وقيل له ارجع فليرجع ويكره له أن يقعد على الباب لقوله عز وجل { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } وفي بعض الأخبار { الاستئذان ثلاث مرات من لم يؤذن له فيهن فليرجع أما الأول فيسمع الحي وأما الثاني فيأخذوا حذرهم وأما [ ص: 125 ] الثالث فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا } فإذا استأذن ثلاث مرات ولم يؤذن له ينبغي أن يرجع ولا يقعد على الباب لينتظر لأن للناس حاجات وأشغالا في المنازل فلو قعد على الباب وانتظر لضاق ذرعهم وشغل قلوبهم ولعل لا تلتئم حاجاتهم فكان الرجوع خيرا له من القعود وذلك قوله تعالى { هو أزكى لكم } هذا إذا كان الدخول للزيارة ونحوها فأما إذا كان الدخول لتغيير المنكر بأن سمع في دار صوت المزامير والمعازف فليدخل عليهم بغير إذنهم لأن تغيير المنكر فرض فلو شرط الإذن لتعذر التغيير والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                وإن كان من محارمه فلا يدخل بغير استئذان أيضا ، وإن كان يجوز له النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة والباطنة لعموم النص الذي تلونا ولو دخل عليها من غير استئذان فربما كانت مكشوفة العورة فيقع بصره عليها فيكرهان ذلك وهكذا روي { أن رجلا سأل النبي عليه الصلاة والسلام وقال أنا أخدم أمي وأفرشها ألا أستأذن عليها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فسأله ثلاثا فقال عليه الصلاة والسلام يسرك أن تراها عريانة ؟ فقال لا قال استأذن عليها } وكذا روي عن حذيفة رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال أستأذن على أختي ؟ فقال رضي الله عنه إن لم تستأذن رأيت ما يسوءك إلا أن الأمر في الاستئذان على المحارم أيسر وأسهل لأن المحرم مطلق النظر إلى موضع الزينة منها شرعا هذا الذي ذكرنا حكم الأحرار البالغين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية