( ومنها ) ، والكلام في هذا الشرط يقع في ثلاثة مواضع : أحدها في أصل النصاب أنه شرط أم لا ؟ ، والثاني : في بيان [ ص: 77 ] قدره ، والثالث : في بيان صفاته . أن يكون نصابا
( أما ) الأول فقد اختلف فيه قال عامة العلماء : إنه شرط فلا قطع فيما دون النصاب ، وحكي عن - رحمه الله - أنه ليس بشرط ، ويقطع في القليل ، والكثير ، وهو قول الحسن البصري الخوارج ، واحتجوا بظاهر قوله سبحانه ، وتعالى { : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } من غير شرط النصاب .
وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { } ، ومعلوم أن من الحبال ما لا يساوي دانقا ، والبيضة لا تساوي حبة . : لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ، ويسرق البيضة فتقطع يده
( ولنا ) دلالة النص ، والإجماع من الصحابة ، أما دلالة النص ; فلأن الله سبحانه وتعالى أوجب القطع على السارق والسارقة ، والسارق اسم مشتق من معنى ، وهو السرقة ، والسرقة اسم للأخذ على سبيل الاستخفاء ، ومسارقة الأعين ، وإنما تقع الحاجة في الاستخفاء فيما له خطر ، والحبة لا خطر لها فلم يكن أخذها سرقة ، فكان إيجاب القطع على السارق اشتراطا للنصاب دلالة .
( وأما ) الإجماع فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - أجمعوا على اعتبار النصاب ، وإنما جرى الاختلاف بينهم في التقدير ، واختلافهم في التقدير إجماع منهم على أن أصل النصاب شرط ، وبه تبين أن ما رووا من الحديث غير ثابت ، أو منسوخ ، أو يحمل المذكور على حبل له خطر كحبل السفينة ، وبيضة خطيرة كبيضة الحديد توفيقا بين الدلائل ، والله تعالى أعلم .
( وأما ) الكلام في فقد اختلف فيه أيضا قال أصحابنا رضي الله عنهم : إنه مقدر بعشرة دراهم فلا قطع في أقل من عشرة دراهم ، وقال قدر النصاب - رحمه الله - مالك بخمسة ، وذكر وابن أبي ليلى - رحمه الله - عند القدوري - رحمه الله - بثلاثين ، وقال مالك : بربع دينار حتى لو سرق ربع دينار إلا حبة ، وهو مع نقصانه يساوي عشرة لا يقطع عنده ، وعندنا يقطع ولو سرق ربع دينار لا يساوي عشرة لم يقطع عندنا ، وعنده يقطع ، وقيمة الدينار عندنا عشرة ، وعنده اثنا عشر على ما نبين في كتاب الديات احتج من اعتبر الخمسة بما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { الشافعي } ، واحتج لا تقطع الخمسة إلا بخمسة - رحمه الله - بما روي عن - سيدتنا - الشافعي رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { عائشة } . : تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا
وروي عن - سيدنا - رضي الله عنه { عمر } ، وهي قيمة ربع دينار عنده ; لأن الدينار على أصله مقوم باثني عشر درهما . أنه عليه الصلاة والسلام قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم :
( ولنا ) ما روى في الكتاب بإسناده عن محمد عن أبيه عن جده عمرو بن شعيب عنه عليه الصلاة والسلام { عبد الله بن عمرو بن العاص } ، وهو يومئذ يساوي عشرة دراهم ، وفي رواية عن أنه كان لا يقطع إلا في ثمن مجن عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمرو بن شعيب } . : لا قطع فيما دون عشرة دراهم
وعن رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { ابن مسعود } ، وعن : لا تقطع اليد إلا في دينار ، أو في عشرة دراهم رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال { ابن عباس } ، وكان يقوم يومئذ بعشرة دراهم ، وعن : لا يقطع السارق إلا في ثمن المجن ابن أم أيمن أنه قال { } ، وكان يساوي يومئذ عشرة دراهم ، وذكر ما قطعت يد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ثمن المجن : في الأصل أن - سيدنا - محمد رضي الله عنه أمر بقطع يد سارق ثوب بلغت قيمته عشرة دراهم فمر به - سيدنا - عمر رضي الله عنه فقال : إن هذا لا يساوي إلا ثمانية فدرأ - سيدنا - عثمان القطع عنه ، وعن - سيدنا - عمر ، وسيدنا عمر ، وسيدنا عثمان ، علي رضي الله عنه مثل مذهبنا ، والأصل أن الإجماع انعقد على وجوب القطع في العشرة . وابن مسعود
وفيما دون العشرة اختلف العلماء ; لاختلاف الأحاديث فوقع الاحتمال في وجوب القطع فلا يجب مع الاحتمال ، وإذا عرف أن النصاب شرط وجوب القطع بالسرقة فإن وجد ذلك القدر في أخذ سرقة واحدة قطع ; لوجود الشرط ، وهو كمال النصاب ، وإن اختلفت السرقة لم يقطع ; لفقد الشرط ، وعلى هذا مسائل قطع ; لأن هذه سرقة واحدة ; لأن الدار مع صحنها ، وبيوتها حرز ، واحد فما دام في الدار لم يوجد الإخراج من الحرز فإذا أخرج من الدار جملة فقد وجد إخراج نصاب من الحرز فيجب القطع . إذا دخل رجل دار الرجل فسرق من بيت فيها درهما فأخرجه إلى صحنها ، ثم عاد فأخذ درهما من البيت فأخرجه ، ثم عاد فأخذ درهما من البيت فأخرجه فلم يزل يفعل حتى أخذ عشرة دراهم ، ثم أخرج العشرة من الدار
ولو كان خرج في كل مرة من الدار ، ثم عاد حتى فعل ذلك عشر مرات لم يقطع ; لأن هذه سرقات إذ كل فعل منه إخراج من الحرز ، فكان [ ص: 78 ] كل فعل منه معتبرا بنفسه ، وأنه سرقة ما دون النصاب فلا يوجب القطع ، وكذلك يقطعون إذا كان ما أخرجوا يخص كل واحد منهم عشرة دراهم ، وإن تفرق الإخراج يعتبر كل واحد بنفسه ; لأن الإخراج جملة واحدة فهو سرقة واحدة فإذا تفرق فهو سرقات ، فكان كل واحد معتبرا بنفسه ولو سرق رجل واحد عشرة دراهم من منزلين مختلفين بأن سرق منه درهما ، أو تسعة لم يقطع ; لأنهما سرقتان مختلفتان ; لأن كل واحد من المنزلين حرز بانفراده فهتك أحدهما بما دون النصاب لا يعتبر في هتك الآخر فيبقى كل ، واحد منهما معتبرا في نفسه . جماعة دخلوا دارا ، وأخرجوا من بيت من بيوتها المتاع مرة بعد أخرى إلى صحن الدار ، ثم أخرجوه من الصحن دفعة واحدة
ولو قطع ، وإن تفرق ملاكها يعتبر في ذلك حال السارق ، والسارق واحد ، فكان النصاب كاملا ، وإنما اعتبر حال السارق دون المسروق منه ; لأن كمال النصاب شرط وجوب القطع ، والقطع عليه فيعتبر جانب من عليه ، ولا يعتبر جانب المسروق منه ; لأن الحكم لم يجب له ، بل لله - سبحانه وتعالى - وإن كان عشرة أنفس في دار كل واحد في بيت على حدة فسرق من كل واحد منهم درهما يقطع إذا خرج بالجميع من الدار ; لما ذكرنا أن الدار حرز واحد . سرق رجل عشرة دراهم لعشرة أنفس في موضع واحد
وقد أخرج منها نصابا كاملا ، فكانت السرقة واحدة ، وإن اختلف المسروق منه ولو كانت الدار عظيمة فيها حجر لكل واحد حجرة فسرق من كل حجرة أقل من عشرة لم يقطع ; لأن ذلك سرقات إذ كل حجرة حرز بانفرادها ، والسرقات إذا اختلفت يعتبر في كل واحد منها كمال النصاب ، ولم يوجد ولو لم يقطعوا ، بخلاف الواحد إذا سرق عشرة دراهم من عشرة أنفس أنه يقطع إذا كانت الدراهم في حرز واحد ; لما بينا أن المعتبر جانب السارق لا جانب المسروق منه ، فكانت السرقة واحدة فيعتبر كمال النصاب في حق السارق لا في حق المسروق منه . سرق عشرة أنفس من رجل واحد عشرة دراهم
وسواء كانت الدراهم مجتمعة ، أو متفرقة بعد أن كان الحرز واحدا حتى يقطع ; لأن الحرز واحد فإذا أخرجها منه فقد خرج بنصاب كامل من السرقة فيقطع ولو لو سرق عشرة دراهم متفرقا من كل كيس درهما من عشرة أنفس من منزل واحد لم يقطع ; لأنه لم يبلغ المأخوذ في كل واحد منهما نصابا فلا يقطع ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . سرق ثوبا قيمته تسعة دراهم فوضعه على باب الدار ، ثم دخل فأخذ ثوبا آخر يساوي تسعة فأخرجه