الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الذي يرجع إلى الموصي فأنواع : منها أن يكون من أهل التبرع في الوصية بالمال ، وما يتعلق به ; لأن الوصية بذلك تبرع بإيجابه بعد موته فلا بد من أهلية التبرع فلا تصح من الصبي ، والمجنون ; لأنهما ليسا من أهل التبرع لكونه من التصرفات الضارة المحضة إذ لا يقابله عوض دنيوي ، وهذا عندنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي - رحمه الله - في أحد قوليه ، وصية الصبي العاقل في القرب صحيحة ، واحتج بما روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه أجاز ، وصية غلام يافع ، وهو الذي قرب إدراكه ; ولأن في وصيته نظرا له ; لأنه يثاب عليه ، ولو لم يوص لزال ملكه إلى الوارث من غير ثواب ; لأنه يزول عنه جبرا شاء ، أو أبى فكان هذا تصرفا نافعا في حقه فأشبه صلاة التطوع ، وصوم التطوع ، والجواب إما إجازة سيدنا عمر رضي الله عنه فيحتمل أن وصية ذلك الصبي كانت لتجهيزه ، وتكفينه ، ودفنه .

                                                                                                                                ووصية الصبي في مثله جائزة - عندنا - لأنه يثبت من غير وصية ( وأما ) قوله : يحصل له عوض ، وهو الثواب فمسلم لكنه ليس بعوض دنيوي ، فلا يملكه الصبي كالصدقة مع ما أن هذا في حد التعارض ; لأنه كما يثاب على الوصية يثاب على الترك للوارث ، بل هو أولى في بعض الأموال لما بينا فيما تقدم .

                                                                                                                                وسواء مات قبل الإدراك ، أو بعده ; لأنها ، وقعت باطلة ، فلا تنقلب إلى الجواز بالإدراك إلا بالاستئناف ، وسواء كان الصبي مأذونا في التجارة ، أو محجورا ; لأن الوصية ليست من باب التجارة إذ التجارة معاوضة المال بالمال ، ولو أضاف الوصية إلى ما بعد الإدراك بأن قال : إذا أدركت ، ثم مت فثلث مالي لفلان لم يصح ; لأن عبارته لم تقع صحيحة ، فلا تعتبر في إيجاب الحكم بعد الموت .

                                                                                                                                ولا تصح وصية العبد المأذون ، والمكاتب ; لأنهما ليسا من أهل التبرع ، ولو أوصيا ، ثم أعتقا وملكا مالا ، ثم ماتا : لم تجز لوقوعها باطلة من الابتداء ، ولو أضاف أحدهما الوصية إلى ما بعد العتق بأن قال : إذا أعتقت ، ثم مت فثلث مالي لفلان : صح فرقا بين العبد ، والصبي .

                                                                                                                                ووجه الفرق : أن عبارة الصبي فيما يتضرر به ملحقة بالعدم لنقصان عقله فلم تصح عبارته من الأصل ، بل بطلت .

                                                                                                                                والباطل لا حكم له بل هو ذاهب متلاش في حق الحكم ، فأما عبارة العبد : فصحيحة لصدورها عن عقل مميز إلا أن امتناع تبرعه لحق المولى فإذا [ ص: 335 ] عتق فقد زال المانع والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية