الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) شرائط الوجوب ( فمنها ) أن تكون الجناية خطأ فيما في عمده القصاص وأما ما لا قصاص في عمده فيستوي فيه العمد ، والخطأ ، وقد بينا ما في عمده القصاص وما لا قصاص فيه فيما تقدم ( ومنها ) أن يكون المجني عليه ذكرا فإن كان أنثى فعليه دية أنثى ، وهو نصف دية الذكر سواء كان الجاني ذكرا أو أنثى لإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذلك ، وهو تنصيف دية الأنثى من دية الذكر على ما ذكرنا في دية النفس ( ومنها ) أن يكون الجاني والمجني عليه حرين فإن كان الجاني حرا والمجني عليه عبدا فلا دية فيه ، وفيه القيمة في قول أبي حنيفة رضي الله عنه ثم إن كان قليل القيمة وجبت جميع القيمة ، وإن كان كثير القيمة بأن بلغت الدية ينقص من قيمته عشرة كذا روى أبو يوسف - رحمه الله - تعالى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال : كل شيء من الحر فيه الدية فهو من العبد فيه القيمة ، وكل شيء من الحر فيه نصف الدية فهو من العبد فيه نصف القيمة .

                                                                                                                                وكذلك الجراحات .

                                                                                                                                وعموم هذه الرواية يقتضي أن كل شيء من الحر فيه قدر من الدية فمن العبد فيه ذلك القدر من قيمته من غير فصل بين ما يقصد به المنفعة كالعين واليد والرجل وبين ما يقصد به الجمال والزينة مثل الحاجب والشعر والأذن ، وهكذا روى الحسن - رحمه الله - عنه أنه إن حلق أحد حاجبيه فلم ينبت أو نتف أشفار عينيه الأسفل أو الأعلى يعني أهدابه فلم تنبت أو قطع إحدى شفتيه العليا أو السفلى أن عليه في كل واحد من ذلك نصف القيمة .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف [ ص: 313 ] رجع أبو حنيفة في حاجب العبد وفي أذنيه وقال فيه حكومة العدل .

                                                                                                                                وكذا قال محمد استقبح أبو حنيفة - رحمه الله - أن يضمن في أذن العبد نصف القيمة ، وهذا دليل الرجوع أيضا ، والحاصل أن الواجب فيما يقصد به المنفعة هو القيمة رواية واحدة عنه ، وفيما يقصد به الزينة والجمال عنه روايتان .

                                                                                                                                وقال محمد : الواجب في ذلك كله النقصان يقوم العبد مجنيا عليه ويقوم وليس به الجناية فيغرم الجاني ما بين القيمتين ، وهو قول أبي يوسف الآخر ، وقوله الأول مع أبي حنيفة ( وجه ) قول محمد أن ما دون النفس من العبد له حكم المال لأنه خلق لمصلحة النفس كالمال وبدليل أنه لا يجب فيه القصاص ولا تتحمله العاقلة فكان ضمانه ضمان الأموال ، وضمان الأموال غير مقدر بل يجب بقدر نقصان المال كما في سائر الأموال ( وجه ) رواية الجمع لأبي حنيفة رضي الله عنه أن القيمة في العبد كالدية في الحر فلما جاز تقدير ضمان جناية الحر بديته جاز تقدير ضمان جناية العبد بقيمته ولأن التقدير قد دخل على الجناية عليه في النفس حتى لا يبلغ الدية إذا كان كثير القيمة فجاز أن يدخل في ضمان الجناية فيما دون النفس كالحر ( ووجه ) رواية الفرق له أن الجمال ليس بمقصود في العبيد بل المقصود منهم الخدمة فأما المنفعة فمقصودة من الأحرار والعبيد جميعا ولأن ما دون النفس من العبيد له شبه النفس وشبه المال أما شبه النفس فظاهر لأنه من أجزاء النفس حقيقة ( وأما ) شبه المال فإنه لا يجب فيه القصاص ولا تتحمله العاقلة فيجب العمل بالشبهين فيعمل بشبه النفس فيما يقصد به المنفعة بتقدير ضمانه بالقيمة كما لو جنى على النفس ويعمل بشبه المال فيما يقصد به الجمال فلم يقدر ضمانه بالقيمة كما إذا أتلف المال عملا بالشبهين بقدر الإمكان ، وقد خرج الجواب عما ذكر محمد من عدم وجوب القصاص وتحمل العاقلة ; لأن ذلك عمل بشبه المال ، وأنه لا ينفي العمل بشبه النفس فيجب العمل بهما جميعا ، وذلك فيما قلنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية