الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قطع من رجل نصف المفصل الأعلى من السبابة ثم قطع نصف المفصل الباقي إن كان قبل البرء يقتص منه فيقطع منه المفصل كله ; لأنه إذا كان قبل البرء صار كأنه قطع المفصلين جميعا بضربة واحدة ، ولو كان كذلك يقتص منه ويقطع منه المفصل كله ، كذا هذا .

                                                                                                                                وإن كان بعد البرء لا يقتص منه ، وتجب حكومة العدل في كل نصف ; لأنه لا يمكن استيفاء القصاص من نصف المفصل ، وليس له أرش مقدر فتجب حكومة العدل .

                                                                                                                                ولو قطع من رجل نصف المفصل الأعلى من السبابة ثم عاد فقطع المفصل الثاني فإن كان قبل البرء فلا قصاص عليه ، وعليه القصاص في المفصل ، والحكومة في نصف المفصل لأنه يصير كأنه قطعهما دفعة واحدة ، ولو فعل ذلك لا قصاص عليه لتعذر الاستيفاء بصفة المماثلة فكان عليه الأرش في المفصل وحكومة العدل في نصف المفصل ، كذا هذا .

                                                                                                                                وإن كان بعد البرء يجب القصاص في المفصل وحكومة العدل في نصف المفصل لأنه إذا برئ الأول فقد استقر حكمه ، والاستيفاء بصفة المماثلة ممكن فثبت ولاية الاستيفاء فلا يمكن استيفاء القصاص في نصف المفصل ، وليس له أرش مقدر فتجب فيه حكومة العدل .

                                                                                                                                ولو قطع من رجل يمينه من المفصل فاقتص منه ثم إن أحدهما قطع من الآخر الذراع من المرفق فلا قصاص فيه ، وفيه حكومة العدل عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                وقال زفر رحمه الله يجب القصاص كذا ذكر القاضي الخلاف في شرحه مختصر الطحاوي - رحمه الله وذكر الكرخي عليه الرحمة الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهما ( وجه ) قول أبي يوسف وزفر أن استيفاء القصاص على سبيل المماثلة ممكن ; لأن المحلين استويا ، والمرفق مفصل فكان المثل مقدور الاستيفاء فلا معنى للمصير إلى الحكومة كما لو قطع يد إنسان من مفصل الزند ، ولأبي حنيفة ومحمد أن القصاص فيما دون النفس يعتمد المساواة في الأرش ; لأن ما دون النفس يسلك به مسلك الأموال لما بينا ، والمساواة في إتلاف الأموال معتبرة ، ولهذا لا يجري القصاص بين طرفي الذكر والأنثى ، والحر والعبد [ ص: 303 ] لاختلاف الأرش ، وههنا لا يعرف التساوي في الأرش لأن أرش الذراع حكومة العدل ، وذلك يكون بالحزر والظن فلا يعرف التساوي بين أرشيهما ; لأن قطع الكف يوجب وهن الساعد وضعفه ، وليس له أرش مقدر ، وقيمة الوهن والضعف فيه لا تعرف إلا بالحزر والظن فلا تعرف المماثلة بين أرشي الساعدين فيمتنع وجوب القصاص .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية