الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما كيفية الصلب فقد روي عن أبي يوسف - رحمه الله - أنه يصلب حيا ، ثم يطعن برمح حتى يموت ، وكذا ذكر الكرخي ، وعن أبي عبيد أنه يقتل ، ثم يصلب ، وكذا ذكر الطحاوي - رحمه الله - أن الصلب حيا من باب المثلة ، قد { نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن المثلة } ، والصحيح هو الأول ; لأن الصلب في هذا الباب شرع لزيادة في العقوبة تغليظا ، والميت ليس من أهل العقوبة ; ولأنه لو جاز أن يقال : يصلب بعد الموت ; لجاز أن يقال : تقطع يده ، ورجله من خلاف بعد الموت ، وذلك بعيد فكذا هذا .

                                                                                                                                والمراد من المثلة في الحديث قطع بعض الجوارح كذا قاله محمد - رحمه الله - وقيل : إذا صلبه الإمام تركه ثلاثة أيام عبرة للخلق ، ثم يخلي بينه ، وبين أهله ; لأنه بعد الثلاث يتغير ; فيتضرر به الناس .

                                                                                                                                وأما النفي في قوله تبارك وتعالى { أو ينفوا من الأرض } فقد اختلف أهل التأويل فيه قال بعضهم : المراد منه ، وينفوا من الأرض بحذف الألف ، ومعناه : وينفوا من الأرض بالقتل ، والصلب إذا هو النفي من وجه الأرض حقيقة ، وهذا على قول من تأول الآية الشريفة في المحارب الذي أخذ المال ، وقيل : إن الإمام يكون مخيرا بين الأجزية الثلاثة ، والنفي من الأرض ليس غير واحد من هذه الثلاثة في التخيير ; لأن بالقتل ، والصلب يحصل النفي فكذا لا يجوز أن يجعل النفي مشاركا الأجزية الثلاثة في التخيير ; لأنه لا يزاحم القتل ; لأنه دونه بكثير ، وقيل : نفيه أن يطرد حتى يخرج من دار الإسلام ، وهو قول الحسن .

                                                                                                                                وعن إبراهيم النخعي - رحمه الله - في رواية أن نفيه طلبه وبه قال الشافعي - رحمه الله - : إنه يطلب في كل بلد ، والقولان لا يصحان ; لأنه إن طلب في البلد الذي قطع الطريق ، ونفي عنه فقد ألقى ضرره إلى بلد آخر ، وإن طلب من كل بلد من بلاد الإسلام ، ونفي عنه يدخل دار الحرب ، وفيه تعريض له على الكفر ، وجعله حربا لنا ، وهذا لا يجوز ، وعن النخعي - رحمه الله - في رواية أخرى أنه يحبس حتى يحدث توبة ، وفيه نفي عن وجه الأرض مع قيام الحياة إلا عن الموضع الذي حبس فيه ، ومثل هذا في عرف الناس يسمى نفيا عن وجه الأرض ، وخروجا عن الدنيا كما أنشد لبعض المحبوسين

                                                                                                                                خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى     إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
                                                                                                                                عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا

                                                                                                                                .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية