وأما بيان ، فجملة الكلام فيه أنه إذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب فالمستولى عليه لا يخلو من أحد أنواع ثلاثة : المتاع ، والأراضي ، والرقاب ، أما المتاع : فإنه يخمس ويقسم الباقي بين الغانمين ، ولا خيار للإمام فيه . ما يملكه الإمام من التصرف في الغنائم
وأما الأراضي فللإمام فيها خياران إن شاء خمسها ويقسم الباقي بين الغانمين لما بينا ، وإن شاء تركها في يد أهلها بالخراج وجعلهم ذمة إن كانوا بمحل الذمة ، بأن كانوا من أهل الكتاب أو من مشركي العجم ، ووضع الجزية على رءوسهم والخراج على أراضيهم وهذا عندنا ، وعند [ ص: 119 ] - رحمه الله - ليس للإمام أن يترك الأراضي في أيديهم بالخراج بل يقسمها . الشافعي
( وجه ) قوله أن الأراضي صارت ملكا للغزاة بالاستيلاء ، فكان الترك في أيديهم إبطالا لملك الغزاة فلا يملكه الإمام كالمتاع .
( ولنا ) إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن سيدنا رضي الله عنه لما فتح سواد عمر العراق ترك الأراضي في أيديهم ، وضرب على رءوسهم الجزية ، وعلى أراضيهم الخراج بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر ، فكان ذلك إجماعا منهم .
، ثلاث ، إن شاء قتل الأسارى منهم ، وهم الرجال المقاتلة ، وسبى النساء والذراري ; لقوله تبارك وتعالى { وأما الرقاب فالإمام فيها بين خيارات فاضربوا فوق الأعناق } وهذا بعد الأخذ والأسر ; لأن الضرب فوق الأعناق هو الإبانة من المفصل ، ولا يقدر على ذلك حال القتال ، ويقدر عليه بعد الأخذ والأسر وروي { بدر ، فأشار بعضهم إلى الفداء ، وأشار سيدنا رضي الله عنه إلى القتل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو جاءت من السماء نار ما نجا إلا عمر عمر } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استشار الصحابة الكرام رضي الله عنهم في أسارى
أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن الصواب كان هو القتل وكذا روي أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقتل عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث يوم بدر ، وبقتل هلال بن خطل ومقيس بن صبابة يوم فتح مكة ، ولأن المصلحة قد تكون في القتل لما فيه من استئصالهم ، فكان للإمام ذلك ، وإن شاء استرق الكل فخمسهم وقسمهم ، لأن الكل غنيمة حقيقة لحصولها في أيديهم عنوة وقهرا بإيجاف الخيل والركاب ، فكان له أن يقسم الكل إلا رجال مشركي العرب والمرتدين ، فإنهم لا يسترقون عندنا ، بل يقتلون أو يسلمون وعند - رحمه الله - يجوز استرقاقهم . الشافعي
( وجه ) قوله أنه يجوز فكذا استرقاق مشركي العجم ، وأهل الكتاب من العجم ، والعرب وهذا لأن للاسترقاق حكم الكفر ، وهم في الكفر سواء ، فكانوا في احتمال الاسترقاق سواء . استرقاق مشركي العرب ، والمرتدين ،
( ولنا ) قوله - سبحانه وتعالى - { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } إلى قوله - سبحانه وتعالى - { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ولأن ترك القتل بالاسترقاق في حق أهل الكتاب ومشركي العجم ; للتوسل إلى الإسلام ومعنى الوسيلة لا يتحقق في حق مشركي العرب والمرتدين على نحو ما بينا من قبل وأما النساء والذراري منهم فيسترقون كما يسترق نساء مشركي العجم وذراريهم ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام استرق نساء هوازن وذراريهم ، وهم من صميم العرب .
وكذا الصحابة استرقوا نساء المرتدين من العرب وذراريهم ، وإن شاء من عليهم وتركهم أحرارا بالذمة ، كما فعل سيدنا رضي الله عنه بسواد عمر العراق إلا مشركي العرب والمرتدين ، فإنه لا يجوز تركهم بالذمة وعقد الجزية ، كما لا يجوز بالاسترقاق لما بينا ، ولو شهدوا بشهادة قبل أن يجعلهم الإمام ذمة لم تجز شهادتهم ; لأنهم أهل الحرب ، فإن جعلهم ذمة فأعادوا الشهادة جازت ; لأن شهادة أهل الذمة مقبولة في الجملة ، فأما شهادة أهل الحرب فغير مقبولة أصلا ، وليس للإمام أن يمن على الأسير فيتركه من غير ذمة ، لا يقتله ولا يقسمه ; لأنه لو فعل ذلك لرجع إلى المنعة فيصير حربا علينا ، فإن قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على الزبير بن باطال من بني قريظة .
وكذا من على أهل خيبر فالجواب أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على ولم يقتله إما لأنه لم يثبت أنه ترك بالجزية أم بدونها ، فاحتمل أنه تركه بالجزية وبعقد الذمة وأما أهل الزبير خيبر فقد كانوا أهل الكتاب فتركهم ومن عليهم ليصيروا كرة للمسلمين ، ويجوز المن لذلك لأن ذلك في معنى الجزية ، فيكون تركا بالجزية من حيث المعنى .