الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ صوت ]

                                                          صوت : الصوت : الجرس معروف مذكر ، فأما قول رويشد بن كثير الطائي :


                                                          يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت

                                                          .

                                                          فإنما أنثه لأنه أراد به الضوضاء والجلبة ، على معنى الصيحة أو الاستغاثة ؛ قال ابن سيده : وهذا قبيح من الضرورة ، أعني تأنيث المذكر ؛ لأنه خروج عن أصل إلى فرع ، وإنما المستجاز من ذلك رد التأنيث إلى التذكير ؛ لأن التذكير هو الأصل بدلالة أن الشيء مذكر ، وهو يقع على المذكر والمؤنث ، فعلم بهذا عموم التذكير ، وأنه هو الأصل الذي لا ينكر ونظير هذا في الشذوذ قوله ، وهو من أبيات الكتاب :


                                                          إذا بعض السنين تعرقتنا     كفى الأيتام فقد أبي اليتيم

                                                          .

                                                          قال : وهذا أسهل من تأنيث الصوت ؛ لأن بعض السنين : سنة ، وهي مؤنثة ، وهي من لفظة السنين ، وليس الصوت بعض الاستغاثة ولا من لفظها ، والجمع أصوات . وقد صات يصوت ويصات صوتا وأصات وصوت به ، كله : نادى . ويقال : صوت يصوت تصويتا ، فهو مصوت ، وذلك إذا صوت بإنسان فدعاه . ويقال : صات يصوت صوتا ، فهو صائت ؛ معناه صائح . ابن السكيت : الصوت صوت الإنسان وغيره . والصائت : الصائح . ابن بزرج : أصات الرجل بالرجل إذا شهره بأمر لا يشتهيه . وانصات الزمان به انصياتا إذا اشتهر . وفي الحديث : فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف ، يريد إعلان النكاح وذهاب الصوت والذكر به في الناس ، يقال : له صوت وصيت أي ذكر . والدف : الذي يطبل به ، ويفتح ويضم . وفي الحديث أنهم كانوا يكرهون الصوت عند القتال ، وهو أن ينادي بعضهم بعضا ، أو يفعل أحدهم فعلا له أثر فيصيح ويعرف بنفسه على طريق الفخر والعجب . وفي الحديث : كان العباس رجلا صيتا أي شديد الصوت عاليه ، يقال : هو صيت وصائت كميت ومائت ، وأصله الواو ، وبناؤه فيعل فقلب وأدغم ، ورجل صيت وصات وحمار صات : شديد الصوت . قال ابن سيده : يجوز أن يكون ( صات ) فاعلا ذهبت عينه ، وأن يكون فعلا مكسور العين ، قال النظار الفقعسي :


                                                          كأنني فوق أقب سهوق     جأب إذا عشر صات الإرنان

                                                          .

                                                          قال الجوهري : وهذا مثل كقولهم رجل مال : كثير المال ، ورجل نال : كثير النوال ، وكبش صاف ، ويوم طان ، وبئر ماهة ، ورجل هاع لاع ، ورجل خاف ، قال : وأصل هذه الأوصاف كلها فعل بكسر العين . والعرب تقول : أسمع صوتا وأرى فوتا أي أسمع صوتا ، ولا أرى فعلا . ومثله : إذا كنت تسمع بالشيء ثم لا ترى تحقيقا ، يقال : ذكر ولا حساس . ينصب على التبرئة ، ومنهم من يقول : لا حساس ، ومنهم من يقول : لا حساس ، ومنهم من يقول : ذكر ولا حسيس فينصب بغير نون ويرفع بنون . ومن أمثالهم في هذا المعنى : لا خير في رزمة لا درة معها ، أي لا خير في قول ولا فعل معه . وكل ضرب من الغناء صوت ، والجمع الأصوات . وقوله عز وجل : واستفزز من استطعت منهم بصوتك قيل بأصوات الغناء والمزامير . وأصات القوس : جعلها تصوت . والصيت : الذكر ، يقال : ذهب صيته في الناس أي ذكره . والصيت والصات : الذكر الحسن . الجوهري : الصيت الذكر الجميل الذي ينتشر في الناس دون القبيح . يقال : ذهب صيته في الناس ، وأصله في الواو ، وإنما انقلبت ياء لانكسار ما قبلها ، كما قالوا : ريح ، من الروح كأنهم بنوه على فعل بكسر الفاء للفرق بين الصوت المسموع وبين الذكر المعلوم ، وربما قالوا : انتشر صوته في الناس بمعنى الصيت . قال ابن سيده : والصوت لغة في الصيت . وفي الحديث : ما من عبد إلا له صيت في السماء أي ذكر وشهرة وعرفان ؛ قال : ويكون في الخير والشر . والصيتة بالهاء : مثل الصيت ؛ قال لبيد :


                                                          وكم مشتر من ماله حسن صيتة     لآبائه في كل مبدى ومحضر

                                                          .

                                                          وانصات للأمر : إذا استقام . وقولهم : دعي فانصات أي أجاب وأقبل ، وهو انفعل من الصوت . والمنصات : القويم القامة . وقد انصات الرجل إذا استوت قامته بعد انحناء ، كأنه اقتبل شبابه ؛ قال سلمة بن الخرشب الأنباري :


                                                          ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها     وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا
                                                          وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه     وراجعه شرخ الشباب الذي فاتا
                                                          وراجع أيدا بعد ضعف وقوة     ولكنه من بعد ذا كله ماتا

                                                          .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية