الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 103 ] شفف

                                                          شفف : شفه الحزن والحب يشفه شفا وشفوفا : لذع قلبه ، وقيل : أنحله ، وقيل : أذهب عقله ; وبه فسر ثعلب قوله :


                                                          ولكن رآنا سبعة لا يشفنا ذكاء ولا فينا غلام حزور

                                                          وشف كبده أحرقها ; قال أبو ذؤيب :


                                                          فهن عكوف كنوح الكري     م قد شف أكبادهن الهوى

                                                          وشفه الحزن أظهر ما عنده من الجزع . وشفه الهم أي هزله وأضمره حتى رق ، وهو من قولهم : شف الثوب إذا رق حتى يصف جلد لابسه . والشفوف : نحول الجسم من الهم والوجد . وشف جسمه يشف شفوفا أي نحل . الجوهري : شفه الهم يشفه بالضم شفا هزله وشفشفه أيضا ومنه قول الفرزدق :


                                                          موانع لأسرار إلا لأهلها     ويخلفن ما ظن الغيور المشفشف

                                                          قال ابن بري : ويروى المشفشف وهو المشفق . يقال : شفشف عليه إذا أشفق . والشف والشف : الثوب الرقيق ، وقيل : الستر الرقيق يرى ما وراءه ، وجمعهما شفوف . وشف الستر يشف شفوفا وشفيفا واستشف : ظهر ما وراءه . واستشفه هو رأى ما وراءه . الليث : الشف ضرب من الستور يرى ما وراءه ، وهو ستر أحمر رقيق من صوف يستشف ما ورءاه ، وجمعه شفوف ; وأنشد :


                                                          زانهن الشفوف ينضخن بالمس     ك وعيش مفانق وحرير

                                                          واستشفت ما وراءه إذا أبصرته . وفي حديث كعب : يؤمر برجلين إلى الجنة ففتحت الأبواب ورفعت الشفوف ; قال : هي جمع شف ، بالكسر والفتح وهو ضرب من الستور . وشف الثوب عن المرأة يشف شفوفا ; وذلك إذا أبدى ما وراءه من خلقها . والثوب يشف في رقته وقد شف عليه ثوبه يشف شفوفا وشفيفا أيضا عن الكسائي أي رق حتى يرى ما خلفه . وثوب شف وشف أي رقيق . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : لا تلبسوا نساءكم القباطي ، فإنه إن لا يشف ، فإنه يصف ; ومعناه أن قباطي مصر ثياب رقاق ، وهي مع رقتها صفيقة النسج ; فإذا لبستها المرأة لصقت بأردافها فوصفتها فنهى عن لبسها وأحب أن يكسين الثخان الغلاظ ، ومنه حديث عائشة - رضي الله عنها - : وعليها ثوب قد كاد يشف . وتقول للبزاز : استشف هذا الثوب أي اجعله طاقا وارفعه في ظل حتى أنظر أكثيف هو أم سخيف . وتقول : كتبت كتابا فاستشفه أي تأمل ما فيه ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          تغترق الطرف ، وهي لاهية     كأنما شف وجهها نزف

                                                          وشف الماء يشفه واشتفه واستشفه وتشافه وتشافاه ; قال ابن سيده : وهذه ; الأخيرة من محول التضعيف لأن أصله تشافه كل ذلك تقصى شربه . قال بعض العرب لابنه في وصاته : أقبح طاعم المقتف وأقبح شارب المشتف ، واستعاره عبد الله بن سبرة الجرشي في الموت ، فقال :


                                                          ساقيته الموت حتى اشتف آخره     فما استكان لما لاقى ولا ضرعا

                                                          أي حتى شرب آخر الموت ، وإذا شرب آخره فقد شربه كله . وفي المثل : ليس الري عن التشاف أي لأن القدر الذي يسئره الشارب ليس مما يروي ، وكذلك الاستقصاء في الأمور والاستشفاف مثله ، وقيل : معناه ليس من لا يشرب جميع ما في الإناء لا يروى . ويقال : تشاففت ما في الإناء واستشففته إذا شربت جميع ما فيه . ولم تسئر فيه شيئا . ابن الأعرابي : تشافيت ما في الإناء تشافيا إذا أتيت على ما فيه ، وتشاففته أتشافه تشافا مثله .

                                                          ، ويقال للبعير : إذا كان عظيم الجفرة : إن جوزه ليشتف حزامه أي يستغرقه كله حتى لا يفضل منه شيء ; وقال كعب بن زهير :


                                                          له عنق تلوي بما وصلت به     ودفان يشتفان كل ظعان

                                                          والظعان حبل يشد به الهودج على البعير . وفي حديث أم زرع : وإن شرب اشتف أي شرب جميع ما في الإناء وتشافف مثله إذا شربته كله ولم تسئره . وفي حديث أنس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب أصحابه يوما وقد كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا شف ; قال شمر : معناه إلا شيء يسير . وشفافة النهار : بقيته وكذلك الشفى ; وقال ذو الرمة :


                                                          شفاف الشفى أو قمشة الشمس أزمعا     رواحا فمدا من نجاء مهادب

                                                          والشفافة : بقية الماء واللبن في الإناء ; قال ابن الأثير : وذكر بعض المتأخرين أنه روي بالسين المهملة وفسره بالإكثار من الشرب . وحكي عن أبي زيد أنه قال : سففت الماء إذا أكثرت من شربه ولم ترو ، ومنه حديث رد السلام ، قال : إنه تشافها أي استقصاها وهو تفاعل منه . والشف والشف : الفضل والربح والزيادة ، والمعروف بالكسر ، وقد شف يشف شفا مثل حمل يحمل حملا وهو أيضا النقصان وهو من الأضداد ، يقال : شف الدرهم يشف إذا زاد ، وإذا نقص وأشفه غيره يشفه . والشفيف : كالشف والشف يكون للزيادة والنقصان وقد شف عليه يشف شفوفا وشفف واستشف . وشففت في السلعة : ربحت . الفراء : الشف الفضل . وقد شففت عليه تشف أي زدت عليه ; قال جرير :


                                                          كانوا كمشتركين لما بايعوا     خسروا وشف عليهم واستوضعوا

                                                          ، وفي الحديث : أنه نهى عن شف ما لم يضمن ; الشف : الربح والزيادة ، وهو كقوله : نهى عن ربح ما لم يضمن ومنه الحديث : فمثله كمثل ما لا شف له ; ومنه حديث الربا : ولا تشفوا أحدهما على الآخر أي لا تفضلوا . وفلان أشف من فلان أي أكبر منه قليلا وقول الجعدي يصف فرسين :


                                                          واستوت لهزمتا خديهما     وجرى الشف سواء فاعتدل

                                                          [ ص: 104 ] يقول : كاد أحدهما يسبق صاحبه فاستويا وذهب الشف وأشف عليه : فضله في الحسن وفاقه . وأشف فلان بعض ولده على بعض : فضله . وفي الحديث : قلت قولا شفا أي فضلا . وفي الحديث في الصرف : فشف الخلخالان نحوا من دانق فقرضه ; قال شمر أي زاد ، قال : والشف أيضا النقص ، يقال : هذا درهم يشف قليلا أي ينقص ; وأنشد :


                                                          ولا أعرفن ذا الشف يطلب شفه     يداويه منكم بالأديم المسلم

                                                          أراد : لا أعرفن وضيعا يتزوج إليكم ليشرف بكم . قال ابن شميل : تقول للرجل : ألا أنلتني مما كان عندك فيقول : إنه شف عنك أي قصر عنك . وشف عنك أي قصر عنك . وشف عنه الثوب يشف : قصر . وشف لك الشيء : دام وثبت . والشفف : الرقة والخفة وربما سميت رقة الحال شففا . والشفيف : شدة الحر ، وقيل : شدة لذع البرد ; ومنه قول الشاعر :


                                                          ونقري الضيف من لحم غريض     إذا ما الكلب ألجأه الشفيف

                                                          قال ابن بري : ومثله لصخر الغي :


                                                          كمثل السبنتى يراح الشفيفا

                                                          ، وفي حديث الطفيل : في ليلة ذات ظلمة وشفاف ; الشفاف : جمع شفيف هو لذع البرد ، وقيل : لا يكون إلا برد ريح مع نداوة . ووجد في أسنانه شفيفا أي بردا ، وقيل : الشفيف برد مع ندوة . ويقال : شف فم فلان شفيفا ، وهو وجع يكون من البرد في الأسنان واللثات . وفلان يجد في أسنانه شفيفا أي بردا . أبو سعيد : فلان يجد في مقعدته شفيفا أي وجعا . والشفان : الريح الباردة مع المطر ; قال :


                                                          إذا اجتمع الشفان والبلد الجدب

                                                          ، ويقال : إن في ليلتنا هذه شفانا شديدا أي بردا وهذه غداة ذات شفان ، قال عدي بن زيد العبادي :


                                                          في كناس ظاهر يستره     من عل الشفان هداب الفنن

                                                          أي من الشفان . والشفشاف : الريح اللينة البرد ; وقول أبي ذؤيب :


                                                          ويعوذ بالأرطى إذا ما شفه     قطر وراحته بليل زعزع

                                                          إنما يريد شفت عليه وقبضته لبردها ولا يكون من قولك شفه الهم والحزن ; لأنه في صفة الريح والمطر . والشف : المهنأ ، يقال : شف لك يا فلان ! إذا غبطته بشيء قلت له ذلك . وتشفشف النبات : أخذ في اليبس . وشفشف الحر النبات وغيره : أيبسه . وفي التهذيب : وشفشف الحر والبرد الشيء إذا يبسه . والشفشفة : تشويط الصقيع نبت الأرض فيحرقه أو الدواء تذره على الجرح . ابن بزرج قال : يقولون من شفوف المال قد شف يشف من الممنوع وكذلك الوجع يشف صاحبه مضمومة ; قال : وقالوا أشف الفم يشف ، وهو نتن ريح فيه . والشف : بثر يخرج فيروح ، قال : والمحفوف مثل المشفوف من الحفف والحف . والمشفشف والمشفشف : السخيف السيئ الخلق ، وقيل : الغيور ; قال الفرزدق يصف نساء :


                                                          ويخلفن ما ظن الغيور المشفشف

                                                          ، ويروى المشفشف الكسر عن ابن الأعرابي ، وأراد الذي شفت الغيرة فؤاده فأضمرته وهزلته ، وقد تقدم في صدر هذه الترجمة ، وكرر الشين والفاء تبليغا كما قالوا مجثجث ، وتجفجف الثوب ، وقيل : الشفشف الذي كأن به رعدة واختلاطا من شدة الغيرة . والشفشفة : الارتعاد والاختلاط . والشفشفة : سوء الظن مع الغيرة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية