الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شري

                                                          شري : شرى الشيء يشريه شرى وشراء واشتراه سواء ، وشراه واشتراه : باعه . قال الله تعالى : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله وقال تعالى : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة أي باعوه . وقوله - عز وجل - : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ; قال أبو إسحاق : ليس هنا شراء ولا بيع ولكن رغبتهم فيه بتمسكهم به كرغبة المشتري بماله ما يرغب فيه ، والعرب تقول لكل من ترك شيئا وتمسك بغيره قد اشتراه . الجوهري في قوله تعالى : اشتروا الضلالة ; أصله اشتريوا فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت ، فاجتمع ساكنان الياء والواو فحذفت الياء ، وحركت الواو بحركتها لما استقبلها ساكن ; قال ابن بري : الصحيح في تعليله أن الياء لما تحركت في اشتريوا وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين ، قال : ويجمع الشرى على أشرية ، وهو شاذ ; لأن فعلا لا يجمع على أفعلة . قال ابن بري : يجوز أن يكون أشرية جمعا للمدود ، كما قالوا : أقفية في جمع قفا لأن منهم من يمده . وشاراه مشاراة وشراء : بايعه ، وقيل : شاراه من الشراء والبيع جميعا ، وعلى هذا وجه بعضهم مد الشراء . أبو زيد : شريت بعت وشريت أي اشتريت . قال الله - عز وجل - : ولبئس ما شروا به أنفسهم ; قال الفراء : بئسما باعوا به أنفسهم ، وللعرب في شروا واشتروا مذهبان : فالأكثر منهما أن يكون شروا باعوا ، واشتروا ابتاعوا ، وربما جعلوهما بمعنى باعوا . الجوهري : الشراء يمد ويقصر . شريت الشيء أشريه شراء إذا بعته ، وإذا اشتريته أيضا ، وهو من الأضداد ; قال ابن بري : شاهد الشراء بالمد قولهم في المثل : لا تغتر بالحرة عام هدائها ولا بالأمة عام شرائها ; قال : وشاهد شريت بمعنى بعت قول يزيد بن مفرغ :


                                                          شريت بردا ولولا ما تكنفني من الحوادث ما فارقته أبدا

                                                          وقال أيضا :


                                                          وشريت بردا ليتني     من بعد برد كنت هامه

                                                          وفي حديث الزبير قال لابنه عبد الله : والله لا أشري عملي بشيء وللدنيا أهون علي من منحة ساحة ; لا أشري أي لا أبيع . وشروى الشيء : مثله ، واوه مبدلة من الياء ; لأن الشيء إنما يشرى بمثله ، ولكنها قلبت ياء كما قلبت في تقوى ونحوها . أبو سعيد : يقال هذا شرواه وشريه أي مثله ; وأنشد :


                                                          وترى هالكا يقول ألا تب     صر في مالك لهذا شريا ؟

                                                          وكان شريح يضمن القصار شرواه أي مثل الثوب الذي أخذه وأهلكه ; ومنه حديث علي كرم الله وجهه : ادفعوا شرواها من الغنم أي مثلها . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - في الصدقة : فلا يأخذ إلا تلك السن من شروى إبله أو قيمة عدل أي من مثل إبله . وفي حديث شريح : قضى في رجل نزع في قوس رجل فكسرها ، فقال له شرواها . وفي حديث النخعي في الرجل يبيع الرجل ويشترط الخلاص [ ص: 71 ] قال : له الشروى أي المثل . وفي حديث أم زرع قال : فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا وأخذ خطيا وأراح علي نعما ثريا ; قال أبو عبيد : أرادت بقولها : ركب شريا أي فرسا يستشري في سيره أي يلج ويمضي ويجد فيه بلا فتور ولا انكسار ، ومن هذا يقال لرجل إذا لج في الأمر : قد شري فيه واستشرى ; قال أبو عبيد : معناه جاد الجري . يقال : شري الرجل في غضبه واستشرى وأجد أي جد . وقال ابن السكيت : ركب شريا أي فرسا خيارا فائقا . وشرى المال وشراته : خياره . والشرى بمنزلة الشوى : وهما رذال المال ، فهو حرف من الأضداد . وأشراء الحرم : نواحيه ، والواحد شرى ، مقصور . وشرى الفرات : ناحيته ; قال القطامي :


                                                          لعن الكواعب بعد يوم وصلتني     بشرى الفرات وبعد يوم الجوسق

                                                          ، وفي حديث ابن المسيب : قال لرجل انزل أشراء الحرم أي نواحيه وجوانبه ، الواحد شرى . وشري زمام الناقة : اضطرب . ويقال لزمام الناقة إذا تتابعت حركاته لتحريكها رأسها في عدوها : قد شري زمامها يشرى شرى إذا كثر اضطرابه . وشري الشر بينهم شرى : استطار . وشري البرق بالكسر شرى : لمع وتتابع لمعانه ، وقيل : استطار وتفرق في وجه الغيم ; قال :


                                                          أصاح ترى البرق لم يغتمض     يموت فواقا ويشرى فواقا

                                                          وكذلك استشرى ; ومنه يقال للرجل إذا تمادى في غيه وفساده : شري يشرى شرى . واستشرى فلان في الشر إذا لج فيه . والمشاراة : الملاجة ، يقال : هو يشاري فلانا أي يلاجه . وفي حديث عائشة في صفة أبيها رضي الله عنهما : ثم استشرى في دينه أي لج وتمادى وجد وقوي واهتم به ، وقيل : هو من شري البرق واستشرى إذا تتابع لمعانه . ويقال : شريت عينه بالدمع إذا لجت وتابعت الهملان . وشري فلان غضبا ، وشري الرجل شرى واستشرى : غضب ولج في الأمر ; وأنشد ابن بري لابن أحمر :


                                                          باتت عليه ليلة عرشية     شريت وبات على نقا متهدم

                                                          شريت : لجت ، وعرشية : منسوبة إلى عرش السماك ومتهدم : متهافت لا يتماسك . والشراة : الخوارج ، سموا بذلك لأنهم غضبوا ولجوا ، وأما هم فقالوا : نحن الشراة لقوله - عز وجل - : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله أي يبيعها ويبذلها في الجهاد وثمنها الجنة ، وقوله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ولذلك قال قطري بن الفجاءة وهو خارجي :


                                                          رأت فئة باعوا الإله نفوسهم     بجنات عدن عنده ونعيم

                                                          التهذيب : الشراة الخوارج ، سموا أنفسهم شراة لأنهم أرادوا أنهم باعوا أنفسهم لله ، وقيل : سموا بذلك لقولهم : إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة حين فارقنا الأئمة الجائرة ، والواحد شار ، ويقال منه : تشرى الرجل . وفي حديث ابن عمر : أنه جمع بنيه حين أشرى أهل المدينة مع ابن الزبير وخلعوا بيعة يزيد أي صاروا كالشراة في فعلهم ، وهم الخوارج وخروجهم عن طاعة الإمام ; قال : وإنما لزمهم هذا اللقب ; لأنهم زعموا أنهم شروا دنياهم بالآخرة أي باعوها . وشرى نفسه شرى إذا باعها ; قال الشاعر :


                                                          فلئن فررت من المنية والشرى

                                                          والشرى : يكون بيعا واشتراء . والشاري : المشتري . والشاري : البائع . ابن الأعرابي : الشراء ممدود ويقصر فيقال : الشرا ، قال : أهل نجد يقصرونه وأهل تهامة يمدونه ، قال : وشريت بنفسي للقوم إذا تقدمت بين أيديهم إلى عدوهم فقاتلتهم أو إلى السلطان فتكلمت عنهم . وقد شرى بنفسه إذا جعل نفسه جنة لهم . شمر : أشريت الرجل والشيء واشتريته أي اخترته . وروي بيت الأعشى : شراة الهجان . وقال الليث : شراة أرض والنسبة إليها شروي ، قال أبو تراب : سمعت السلمي يقول : أشريت بين القوم وأغريت وأشريته به فشري مثل أغريته به فغري . وشري الفرس في سيره واستشرى أي لج ، فهو فرس شري على فعيل . ابن سيده : وفرس شري يستشري في جريه أي يلج . وشاراه مشاراة : لاجه . وفي حديث السائب : كان النبي صلى الله عليه وسلم شريكي فكان خير شريك ، لا يشاري ولا يماري ولا يداري ; المشاراة : الملاجة ، وقيل : لا يشاري من الشر أي لا يشارر ، فقلب إحدى الراءين ياء ; قال ابن الأثير : والأول الوجه ; ومنه الحديث الآخر : لا تشار أخاك في إحدى الروايتين ، وقال ثعلب في قوله : لا يشاري : لا يستشري من الشر ، ولا يماري : لا يدافع عن الحق ولا يردد الكلام ; قال :

                                                          ،

                                                          وإني لأستبقي ابن عمي وأتقي     مشاراته كي ما يريع ويعقلا

                                                          قال ثعلب : سألت ابن الأعرابي عن قوله : لا يشاري ولا يماري ولا يداري ، قال : لا يشاري من الشر ، قال : ولا يماري لا يخاصم في شيء ليست له فيه منفعة ، ولا يداري أي لا يدفع ذا الحق عن حقه ، وقوله أنشده ثعلب :


                                                          إذا أوقدت نار لوى جلد أنفه     إلى النار يستشري ذرى كل حاطب

                                                          ابن سيده : لم يفسر يستشري إلا أن يكون يلج في تأمله . ويقال : لحاه الله وشراه . وقال اللحياني : شراه الله وأورمه وعظاه وأرغمه . والشرى : شيء يخرج على الجسد أحمر كهيئة الدراهم ، وقيل : هو شبه البثر يخرج في الجسد . وقد شري شرى ، فهو شر على فعل ، وشري جلده شرى ، قال : والشرى خراج صغار لها لذع شديد . وتشرى القوم : تفرقوا . واستشرت بينهم الأمور : عظمت وتفاقمت . وفي الحديث : حتى شري أمرهما أي عظم وتفاقم ولجوا فيه . وفعل به ما شراه أي ساءه . وإبل شراة كسراة أي خيار ; قال ذو الرمة :


                                                          يذب القضايا عن شراة كأنها [ ص: 72 ]     جماهير تحت المدجنات الهواضب

                                                          والشرى : الناحية ، وخص بعضهم به ناحية النهر ، وقد يمد ، والقصر أعلى ، والجمع أشراء . وأشراه ناحية كذا : أماله ; قال :


                                                          ألله يعلم أنا في تلفتنا يوم     الفراق إلى أحبابنا صور
                                                          وأنني حوثما يشري الهوى بصري     من حيث ما سلكوا أثني فأنظور

                                                          يريد أنظر فأشبع ضمة الظاء فنشأت عنها واو . والشرى : الطريق ، مقصور والجمع كالجمع . والشري بالتسكين : الحنظل ، وقيل : شجر الحنظل ; وقيل : ورقه ، واحدته شرية ; قال رؤبة :


                                                          في الزرب لو يمضغ شريا ما بصق

                                                          ، ويقال : في فلان طعمان أري وشري ، قال : والشري شجر الحنظل ; قال الأعلم الهذلي :


                                                          على حت البراية زمخري الس     واعد ظل في شري طوال

                                                          ، وفي حديث أنس في قوله تعالى : كشجرة خبيثة قال : هو الشريان ; قال الزمخشري : الشريان والشري الحنظل ، قال : ونحوهما الرهوان والرهو للمطمئن من الأرض ، الواحدة شرية . وفي حديث لقيط : أشرفت عليها ، وهي شرية واحدة ; قال ابن الأثير : هكذا رواه بعضهم ، أراد أن الأرض اخضرت بالنبات فكأنها حنظلة واحدة ، قال : والرواية شربة بالباء الموحدة . وقال أبو حنيفة :

                                                          يقال لمثل ما كان من شجر القثاء والبطيخ شري ، كما يقال لشجر الحنظل ، وقد أشرت الشجرة واستشرت . وقال أبو حنيفة : الشرية النخلة التي تنبت من النواة . وتزوج في شرية نساء أي في نساء يلدن الإناث . والشريان والشريان بفتح الشين وكسرها : شجر من عضاه الجبال يعمل منه القسي ، واحدته شريانة . وقال أبو حنيفة : نبات الشريان نبات السدر يسنو كما يسنو السدر ويتسع ، وله أيضا نبقة صفراء حلوة ، قال : وقال أبو زياد : تصنع القياس من الشريان ، قال : وقوس الشريان جيدة إلا أنها سوداء مشربة حمرة ، وهو من عتق العيدان وزعموا أن عوده لا يكاد يعوج ; وأنشد ابن بري لذي الرمة :


                                                          وفي الشمال من الشريان مطعمة     كبداء في عودها عطف وتقويم

                                                          ، وقال الآخر :


                                                          سياحف في الشريان يأمل نفعها     صحابي وأولي حدها من تعرما

                                                          المبرد : النبع والشوحط والشريان شجرة واحدة ، ولكنها تختلف أسماؤها وتكرم بمنابتها ، فما كان منها في قلة جبل فهو النبع ، وما كان في سفحه فهو الشريان ، وما كان في الحضيض فهو الشوحط . والشريانات : عروق دقاق في جسد الإنسان وغيره . والشريان والشريان بالفتح والكسر : واحد الشرايين ، وهي العروق النابضة ، ومنبتها من القلب . ابن الأعرابي : الشريان الشق ، وهو الثت ، وجمعه ثتوت ، وهو الشق في الصخرة . وأشرى حوضه : ملأه . وأشرى جفانه إذا ملأها ، وقيل : ملأها للضيفان ; وأنشد أبو عمرو :


                                                          نكب العشار لأذقانها     ونشري الجفان ونقري النزيلا

                                                          و الشرى : موضع تنسب إليه الأسد ، يقال للشجعان : ما هم إلا أسود الشرى ; قال بعضهم : شرى موضع بعينه تأوي إليه الأسد ، وقيل : هو شرى الفرات وناحيته ، وبه غياض وآجام ومأسدة ; قال الشاعر :


                                                          أسود شرى لاقت أسود خفية

                                                          والشرى : طريق في سلمى كثير الأسد . و الشراة : موضع . و شريان : واد ; قالت أخت عمرو ذي الكلب :


                                                          بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا     ببطن شريان يعوي عنده الذيب

                                                          وشراء وشراء كحذام : موضع ، قال النمر بن تولب :


                                                          تأبد من أطلال جمرة مأسل     فقد أقفرت منها شراء فيذبل

                                                          ، وفي الحديث ذكر الشراة ; هو بفتح الشين جبل شامخ من دون عسفان و صقع بالشام قريب من دمشق كان يسكنه علي بن عبد الله بن العباس وأولاده إلى أن أتتهم الخلافة . ابن سيده : و شراوة موضع قريب من تريم دون مدين ، قال كثير عزة :


                                                          ترامى بنا منها بحزن شراوة     مفوزة أيد إليك وأرجل

                                                          وشرورى : اسم جبل في البادية وهو فعوعل ، وفي المحكم : شرورى جبل ، قال : كذا حكاه أبو عبيد ، وكان قياسه أن يقول هضبة أو أرض ; لأنه لم ينونه أحد من العرب ، ولو كان اسم جبل لنونه ; لأنه لا شيء يمنعه من الصرف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية