الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شبه

                                                          شبه : الشبه والشبه والشبيه : المثل ، والجمع أشباه . وأشبه الشيء الشيء : ماثله . وفي المثل : من أشبه أباه فما ظلم . وأشبه الرجل أمه : وذلك إذا عجز وضعف عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          أصبح فيه شبه من أمه من عظم الرأس ومن خرطمه



                                                          أراد من خرطمه فشدد للضرورة ، وهي لغة في الخرطوم ، وبينهما شبه بالتحريك ، والجمع مشابه على غير قياس ، كما قالوا محاسن ومذاكير . وأشبهت فلانا وشابهته واشتبه علي وتشابه الشيئان واشتبها : أشبه كل واحد منهما صاحبه . وفي التنزيل : مشتبها وغير متشابه . وشبهه إياه وشبهه به مثله . والمشتبهات من الأمور : المشكلات . والمتشابهات : المتماثلات . وتشبه فلان بكذا . والتشبيه : التمثيل . وفي حديث حذيفة : "

                                                          وذكر فتنة ، فقال : تشبه مقبلة وتبين مدبرة ; قال شمر : معناه أن الفتنة إذا أقبلت شبهت على القوم وأرتهم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويركبوا منها ما لا يحل ، فإذا أدبرت وانقضت بان أمرها ، فعلم من دخل فيها إنه كان على الخطأ . والشبهة : الالتباس . وأمور مشتبهة ومشبهة : مشكلة يشبه بعضها بعضا ، قال :


                                                          واعلم بأنك في زما     ن مشبهات هن هنه



                                                          وبينهم أشباه أي أشياء يتشابهون فيها . وشبه عليه : خلط عليه الأمر حتى اشتبه بغيره . وفيه مشابه من فلان أي أشباه ، ولم يقولوا في ، واحدته : مشبهة ، وقد كان قياسه ذلك ، لكنهم استغنوا بشبه عنه فهو من باب ملامح ومذاكير ; ومنه قولهم : لم يسر رجل قط ليلة حتى يصبح إلا أصبح ، وفي وجهه مشابه من أمه . وفيه شبهة منه أي شبه . وفي حديث الديات : دية شبه العمد أثلاث ; هو أن ترمي إنسانا بشيء ليس من عادته أن يقتل مثله ، وليس من غرضك قتله ، فيصادف قضاء وقدرا فيقع في مقتل فيقتل ، فيجب فيه الدية دون القصاص . ويقال : شبهت هذا بهذا ، وأشبه فلان فلانا . وفي التنزيل العزيز : منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات قيل : معناه يشبه بعضها بعضا . قال أبو منصور : وقد اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى : وأخر متشابهات فروي عن ابن عباس أنه قال : المتشابهات الم الر ، وما اشتبه على اليهود من هذه ونحوها . قال أبو منصور : وهذا لو كان صحيحا عن ابن عباس كان مسلما له ، ولكن أهل المعرفة بالأخبار وهنوا إسناده ، وكان الفراء يذهب إلى ما روي عن ابن عباس ، وروي عن الضحاك أنه قال : المحكمات ما لم ينسخ والمتشابهات ما قد نسخ . وقال غيره : المتشابهات هي الآيات التي نزلت في ذكر القيامة والبعث ضرب قوله : وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبا أم به جنة وضرب قوله : وقالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون فهذا والذي تشابه عليهم ، فأعلمهم الله الوجه الذي ينبغي أن يستدلوا به على أن هذا المتشابه عليهم كالظاهر لو تدبروه ، فقال : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ; أي إذا كنتم أقررتم بالإنشاء والابتداء فما تنكرون من البعث والنشور ، وهذا قول كثير من أهل العلم وهو بين واضح ، ومما يدل على هذا القول قوله عز وجل : فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله أي أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم فأعلم الله أن [ ص: 18 ] تأويل ذلك ووقته : لا يعلمه إلا الله عز وجل ، والدليل على ذلك قوله : هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يريد قيام الساعة وما وعدوا من البعث والنشور ، والله أعلم . وأما قوله : وأتوا به متشابها فإن أهل اللغة قالوا : معنى متشابها يشبه بعضه بعضا في الجودة والحسن ، وقال المفسرون : متشابها يشبه بعضه بعضا في الصورة ويختلف في الطعم ، ودليل المفسرين قوله تعالى : هذا الذي رزقنا من قبل لأن صورته الصورة الأولى ، ولكن اختلاف الطعم مع اتفاق الصورة أبلغ وأغرب عند الخلق ، لو رأيت تفاحا فيه طعم كل الفاكهة لكان نهاية في العجب . وفي الحديث في صفة القرآن : آمنوا بمتشابهه واعملوا بمحكمه ، المتشابه : ما لم يتلق معناه من لفظه ، وهو على ضربين : أحدهما : إذا رد إلى المحكم عرف معناه ، والآخر : ما لا سبيل إلى معرفة حقيقته ، فالمتتبع له مبتغ للفتنة ; لأنه لا يكاد ينتهي إلى شيء تسكن نفسه إليه . وتقول : في فلان شبه من فلان وهو شبهه وشبهه وشبيهه ; قال العجاج يصف الرمل :


                                                          وبالفرنداد له أمطي     وشبه أميل ميلاني



                                                          الأمطي : شجر له علك تمضغه الأعراب . وقوله : وشبه ، هو اسم شجر آخر اسمه شبه ، أميل : قد مال ميلاني : من الميل . ويروى : وسبط أميل ، وهو شجر معروف أيضا :


                                                          حيث انحنى ذو اللمة المحني



                                                          حيث انحنى : يعني هذا الشبه . ذو اللمة : حيث نم العشب ; وشبه بلمة الرأس ، وهي الجمة :


                                                          في بيض ودعان بساط سي



                                                          بيض ودعان : موضع . أبو العباس عن ابن الأعرابي : وشبه الشيء إذا أشكل وشبه إذا ساوى بين شيء وشيء ، قال : وسألته عن قوله تعالى : وأتوا به متشابها فقال : ليس من الاشتباه المشكل إنما هو من التشابه الذي هو بمعنى الاستواء . وقال الليث : المشتبهات من الأمور المشكلات . وتقول : شبهت علي يا فلان إذا خلط عليك . واشتبه الأمر إذا اختلط ، واشتبه علي الشيء . وتقول : أشبه فلان أباه وأنت مثله في الشبه والشبه . وتقول : إني لفي شبهة منه ، وحروف الشين يقال لها : أشباه وكذلك كل شيء يكون سواء ، فإنها أشباه كقول لبيد في السواري وتشبيه قوائم الناقة بها :


                                                          كعقر الهاجري إذا ابتناه     بأشباه حذين على مثال



                                                          قال : شبه قوائم ناقته بالأساطين . قال أبو منصور وغيره : يجعل الأشباه في بيت لبيد الآجر ; لأن لبنها أشباه يشبه بعضها بعضا ، وإنما شبه ناقته في تمام خلقها وحصانة جبلتها بقصر مبني بالآجر ، وجمع الشبهة شبه ، وهو اسم من الاشتباه . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : اللبن يشبه عليه ، ومعناه أن المرضعة إذا أرضعت غلاما ، فإنه ينزع إلى أخلاقها فيشبهها ; ولذلك يختار للرضاع امرأة حسنة الأخلاق صحيحة الجسم عاقلة غير حمقاء . وفي الحديث عن زياد السهمي قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسترضع الحمقاء ; فإن اللبن يشبه . وفي الحديث : فإن اللبن يتشبه . والشبه والشبه : النحاس يصبغ فيصفر . وفي التهذيب : ضرب من النحاس يلقى عليه دواء فيصفر . قال ابن سيده : سمي به ; لأنه إذا فعل ذلك به أشبه الذهب بلونه ، والجمع أشباه ، يقال : كوز شبه وشبه بمعنى ; قال المرار :


                                                          تدين لمزرور إلى جنب حلقة     من الشبه سواها برفق طبيبها



                                                          أبو حنيفة : الشبه شجرة كثيرة الشوك تشبه السمرة وليست بها . والمشبه : المصفر من النصي . والشباه : حب على لون الحرف يشرب للدواء . والشبهان : نبت يشبه الثمام ، ويقال له : الشبهان . قال ابن سيده : والشبهان والشبهان ضرب من العضاه ، وقيل : هو الثمام ، يمانية ; حكاها ابن دريد ; قال رجل من عبد القيس :


                                                          بواد يمان ينبت الشث صدره     وأسفله بالمرخ والشبهان



                                                          قال ابن بري : قال أبو عبيدة البيت للأحول اليشكري ، واسمه يعلى ، قال : وتقديره : وينبت أسفله المرخ ; على أن تكون الباء زائدة ، وإن شئت قدرته : وينبت أسفله بالمرخ ، فتكون الباء للتعدية لما قدرت الفعل ثلاثيا . وفي الصحاح : وقيل : الشبهان هو الثمام من الرياحين . قال ابن بري : والشبه كالسمر كثير الشوك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية