فصل
عند علماء البلاغة هذا الأمر شرط من شروط الإنشاء - قال ابن الأثير في كتابه المثل السائر - : الأول معرفة العربية من النحو والتصريف ، الثاني : معرفة اللغة ، الثالث : معرفة أمثال العرب وأيامهم ، ومعرفة الوقائع التي جاءت في حوادث خاصة بأقوام ، فإن ذلك يجري مجرى الأمثال ، الرابع : الاطلاع على تأليفات من تقدمه من أرباب هذه الصناعة المنظوم منه والمنثور ، والتحفظ للكثير منه ، الخامس : معرفة الأحكام السلطانية ، السادس : حفظ القرآن الكريم والتدرب باستعماله ، وإدراجه في مطاوي كلامه ، السابع : حفظ ما يحتاج إليه من الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلوك بها مسلك القرآن الكريم في الاستعمال انتهى . يفتقر صاحب هذا الفن إلى ثمانية أنواع من الآلات
وقد أطبق أرباب الفن على اشتراط ذلك واستعماله في مطاوي الخطب والرسائل والمقامات ونحو ذلك ، وفيهم أئمة فقهاء كبار ومحدثون وزهاد وورعون ، [ ص: 316 ] وقد ألف الحريري - صاحب المقامات - كتابا سماه " توشيح البيان بالملتقط من القرآن " قال فيه : أما بعد ، فإنك أشرت أيها الحبر البر إلى أن ألتقط لك من القرآن الذي أخرس الفصحاء ، وأفحم البلغاء ما يوشح به المتمثل لفظه ، والواعظ وعظه ، والكاتب كتبه ، والخاطب خطبه ، فامتثلت أمرك بالانقياد ، مع الاعتراف بقصور شأو الارتياد عن استغراق هذا المراد ، والانتهاء إلى جوامع المواد إذ كانت أسرار القرآن لا يدرك غورها ، وعجائبه لا يزال ينمى نورها ، ونورها - إلى أن قال : وها أنا قد جمعت لك من هذا النمط والدر الملتقط ما رجوت أن يجمع بين رضا الباري وارتضاء القاري .