الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : أرض من أراضي مصر بيد جماعة بكرية يستغلونها ، فسألهم السلطان عن مستندهم فأظهروا محضرا ثابتا على حاكم شافعي أنها وقف السلطان صلاح الدين بن أيوب عليهم بشهادة جماعة مستندهم السماع ، وإن لم يصرحوا به ، وحكم بموجب ذلك فهل يستحقون ذلك ؟ وهل للإمام أن يقف بعض أراضي مصر على مثل هذه الجهة من غير أن يشتريها من بيت المال ؟ وهل للمخالف الذي يرى أن مصر فتحت عنوة وأن أراضيها لا تملك أن يتعرض لإبطال ذلك ؟ .

            الجواب : نعم للإمام أن يقف بعض أراضي بيت المال من غير شراء على مثل الجهة المذكورة على الأصح في المذهب ، فقد نص الشافعي على ما يشهد لذلك وصرح بصحته القاضي حسين ، وأفتى به ابن أبي عصرون ، وأسعد الميهني والشاشي ، وابن الصلاح ، والنووي ، وقال ابن الرفعة في المطلب : إنه المذهب ، وصرح كل منهم بأنه لا يجوز لمن يأتي بعد تغييره ، وأما السبكي فاختار لنفسه أنه لا يجوز للإمام الوقف ، لكن ما وجدناه موقوفا لأحد من الأئمة ليس لنا أن نغيره .

            فالحاصل أن عدم التغيير متفق عليه .

            وقد حكى ابن الصلاح في مجاميعه صورة استفتاء في أراضي وقفها الخليفة أو السلطان نائب الخليفة على رجل ثم عقبه هل يصح ؟ وهل يجوز لأحد من الولاة تغييره وصرفه إلى جهة أخرى ؟ فأجاب علماء ذلك العصر من سائر المذاهب أن الوقف صحيح ولا يملك أحد من خلق الله اعتراضه ولا تغييره ، ومن جملة من أفتى في هذه الواقعة ابن أبي عصرون ، وهو كان عين الشافعية في زمن السلطانين العادلين نور الدين الشهيد ، وصلاح الدين بن أيوب وكان مفتيهما وقاضيهما ، وقد نص العلماء على أنهما ما وقفا الذي وقفاه إلا بإفتائه ، فالحاصل أن وقف هذه الأرض على المذكورين صحيح ، ولا يجوز لأحد تغييره ولا نقله إلى جهة أخرى ، وثبوت ذلك بالشهادة المستندة إلى الاستفاضة حيث لم يصرحوا بذلك صحيح ، أما في الوقف فأصلا ، وأما في المستحقين فضمنا كما قاله ابن الصلاح ، وابن الفركاح ، وليس للمخالف الذي يرى أن مصر فتحت عنوة أن يتعرض لذلك بنقض ولا إبطال ؛ لأنه إن كان حكم بصحته في الأصل حاكم [ ص: 181 ] شافعي فذاك ، وإلا فمعناه أمران : أحدهما ثبوت الوقف بما ذكر ، وما ثبت وقفه قديما لا يتعرض له ؛ لأن الظاهر وقوعه مستجمعا للشرائط ، والثاني : حكم الشافعي المتأخر ، وأمر ثالث : وهو أن بعض المتأخرين ذكر أن أمر الإمام الأعظم وفعله يرفعان الخلاف كحكم الحاكم تفخيما لشأنه ، ونص العلماء على أن السلطان صلاح الدين ما وقف الذي وقفه حتى أفتاه بذلك علماء عصره من الشافعية ، والحنفية ، والحنابلة ، ولولا إرادة الاختصار لسقت عباراتهم في ذلك .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية