[ ص: 59 ] بسط الكف في إتمام الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يقطع من وصله ، ولا ينصر من خذله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل نبي أرسله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطائفة المكملة ، وبعد
فقد سئلت عن عدم إتمام الصفوف ، ، فأجبت بأنه مكروه لا تحصل به فضيلة الجماعة ، ثم وردت إلي فتوى في ذلك فكتبت عليها ما نصه : لا تحصل الفضيلة وبيان ذلك بتقرير أمرين : أحدهما أن هذا الفعل مكروه ، الثاني أن المكروه في الجماعة يسقط فضيلتها ، فأما الأول : فقد صرحوا بذلك حيث قالوا في الكلام على التخطي يكره إلا إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فإنهم مقصرون بتركها إذ يكره إنشاء صف قبل إتمام ما قبله ، ويشهد له من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : ( والشروع في صف قبل إتمام صف ) رواه أتموا الصفوف ما كان من نقص ففي المؤخر أبو داود .
وفي شرح المهذب في باب التيمم : ، وأما كون كل مكروه في الجماعة يسقط الفضيلة ، فهذا أمر معروف مقرر متداول على ألسنة الفقهاء ، يكاد يكون متفقا عليه ، هذا آخر ما كتبت ، وقد أردت في هذه الأوراق تحرير ما قلت ، بعد أن تعرف أن الفضيلة التي نعنيها هي التضعيف المعبر عنه في الحديث ببضع وعشرين لا أصل بركة الجماعة ، وسيأتي تقرير الفرق بين الأمرين ، ثم الكلام أولا في تحرير أن هذا الفعل مكروه من كلام الفقهاء والمحدثين ، قال لو أدرك الإمام في ركوع غير الأخيرة فالمحافظة على الصف الأول أولى من المبادرة إلى الإحرام لإدراك الركعة النووي في شرح المهذب في باب الجماعة : اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب ، وإتمام الصف الأول ، ثم الذي يليه إلى آخرها ، ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله - هذه عبارته . سد الفرج في الصفوف
ولا يقابل المستحب إلا المكروه ، فإن قيل يقابله خلاف الأولى قلت : الجواب من وجهين : أحدهما أن المتقدمين لم يفرقوا بينهما ، وإنما فرق إمام الحرمين ، ومن تابعه ، الثاني أن القائلين به قالوا : هو ما لم يرد فيه دليل خاص ، وإنما استفيد من العمومات ، والمكروه : ما ورد فيه دليل خاص ، وهذا قد وردت فيه أدلة خاصة فضلا عن دليل واحد ، فمن ذلك [ ص: 60 ] الحديث المذكور في الفتوى ، وقد رواه أبو داود من حديث قال أنس النووي في شرح المهذب بإسناد حسن ، ومن ذلك ما رواه أبو داود ، ، وابن خزيمة والحاكم بإسناد صحيح عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ابن عمر ) ومعنى قطعه الله أي من الخير والفضيلة ، والأجر الجزيل . أقيموا الصلاة ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل ، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفا وصله الله ، ومن قطع صفا قطعه الله
وقال في صحيحه باب إثم من لا يتم الصفوف ، وأورد فيه حديث البخاري : ( أنس ) ، فقال الحافظ ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف ابن حجر : يحتمل أن أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله : " سووا " ، ومن عموم قوله : ( البخاري ) ، ومن ورود الوعيد على تركه ، فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار صلوا كما رأيتموني أصلي إنما وقع على ترك الواجب ومع القول به صلاة من خالف صحيحة لاختلاف الجهتين . أنس
وأفرط فجزم بالبطلان ، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن ابن حزم عمر ، أنه ضرب قدم لإقامة الصف ، وبما صح عن أبي عثمان النهدي قال : كان سويد بن غفلة بلال يسوي مناكبنا ، ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال : ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب قال ابن حجر : وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان . التعزير على ترك السنة
وقال : تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها ، دل على أن تاركها يستحق الذم ، وهذا صريح في أنه لا تحصل له الفضيلة ، وفي الصحيح حديث ( ابن بطال ) . لتسون صفوفكم ، أو ليخالفن الله بين وجوهكم
قال شراح الحديث : تسوية الصفوف تطلق على أمرين : اعتدال القائمين على سمت واحد ، وسد الخلل الذي في الصف ، واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته ، والمراد بتشويه الوجه تحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا ، قال الحافظ ابن حجر : وعلى هذا ، فهو واجب والتفريط فيه حرام قال : وهو نظير الوعيد فيمن قال : ويؤيد ذلك حديث رفع رأسه قبل الإمام أبي أمامة : ( ) رواه لتسون الصفوف ، أو لتطمسن الوجوه أحمد بسند فيه ضعف ، قلت : وإذا كان هذا نظير مسابقة الإمام في الوعيد ، فهو نظيره في سقوط الفضيلة ، وهو أمر متفق عليه ، كما سيأتي ، ومنهم من حمله على المجاز قال النووي : معناه توقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب .
وفي الصحيح أيضا حديث ( ) قال الشراح : المراد بأقيموا اعتدلوا ، وبتراصوا تلاصقوا بغير خلل ، وفيه أيضا حديث ( أقيموا صفوفكم ، وتراصوا ) استدل [ ص: 61 ] به الجمهور على سنة التسوية ، سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة على وجوبها ; لأن إقامة الصلاة واجبة ، وكل شيء من الواجب واجب ، وروى وابن حزم أبو يعلى ، عن والطبراني جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ) ، وروى إن من تمام الصلاة إقامة الصف أحمد بسند صحيح قال : رأيتنا ، وما تقام الصلاة حتى تتكامل الصفوف ابن مسعود ، وروى عن في الكبير بسند رجاله ثقات عن الطبراني موقوفا : سووا صفوفكم ، فإن الشيطان يتخللها . ابن مسعود
وروى أيضا بسند رجاله ثقات عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ابن عباس ) يعني في الصلاة ، وأخرج إياكم والفرج أبو يعلى عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ابن عباس ) . تراصوا الصفوف فإني رأيت الشياطين تتخللكم
وروى أحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ) . سووا صفوفكم وسدوا الخلل ، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم
وروى عن الطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس ) . من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه ، فإن لم يفعل ، فمن مر فليتخط على رقبته ، فإنه لا حرمة له
والأحاديث في كثيرة جدا وفيما أوردناه كفاية ، ومن الأحاديث التي في الترغيب ، ولا ترهيب فيها حديث : ( ترك الفرج وتقطيع الصفوف ) رواه من سد فرجة في الصف غفر له بإسناد حسن عن البزار أبي جحيفة .
وحديث : ( ) رواه من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة ، وبنى له بيتا في الجنة في الأوسط ، عن الطبراني عائشة بسند لا بأس به ، وأخرجه عن ابن أبي شيبة عطاء مرسلا .
وحديث ( ) رواه إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف الحاكم وغيره .
وحديث ( ) أخرجه ألا تصفون ، كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قالوا : وكيف تصف الملائكة ؟ قال : يتمون الصف المقدم ، ويتراصون في الصف . النسائي
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ، عن وابن أبي شيبة قال : لأن تقع ثنتاي أحب إلي من أرى فرجة في الصف أمامي ، فلا أصلها ، وأخرج ابن عمر عبد الرزاق عن أنه كان يكره أن يقوم الرجل في الصف الثاني حتى يتم الصف الأول ، ويكره أن يقوم في الصف الثالث حتى يتم الصف الثاني ، وأخرج عن إبراهيم النخعي قال : قلت ابن جريج لعطاء : أيكره أن يقوم الرجل وحده وراء الصف ؟ قال : نعم ، والرجلان ، والثلاثة ، إلا في الصف . قلت لعطاء : أرأيت إن وجدت الصف مزحوما ، لا أرى فيه فرجة . قال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وأحب إلي والله أن أدخل فيه ، وأخرج عن قال : يقال : إذا دحس الصف ، فلم يكن فيه مدخل فليستخرج رجلا من ذلك [ ص: 62 ] الصف فليقم معه ، فإن لم يفعل فصلاته تلك صلاة واحدة ، ليست بصلاة جماعة ، وأخرج عن النخعي قال : قلت ابن جريج لعطاء : أيكره أن يمشي الرجل يخرق الصفوف ؟ قال : إن خرق الصفوف إلى فرجة ، فقد أحسن وحق على الناس أن يدحسوا الصفوف حتى لا يكون بينهم فرج ، ثم قال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) فالصلاة أحق أن يكون فيها ذلك ، وأخرج عن يحيى بن جعدة قال : أحق الصفوف بالإتمام أولها ، وأخرج في سننه ، سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة والحاكم عن العرباض بن سارية ، وأخرج قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف المقدم ثلاثا ، وعلى الذي يليه واحدة عن سعيد بن منصور أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( . إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ، ولينوا في أيدي إخوانكم ، وسدوا الخلل ، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف )
وأخرج عن قال كان يقال : سووا الصفوف ، وتراصوا لا تتخللكم الشياطين ، كأنها بنات الحذف . إبراهيم النخعي
وأخرج عن قال : ما خطا رجل خطوة أعظم أجرا من خطوة إلى ثلمة صف ليسدها . ابن عمر
وأخرج عبد الرزاق ، عن وابن أبي شيبة عبد الرحمن بن سابط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ) يعني في الصلاة . ما تغبرت الأقدام ، في مشي أحب إلى الله من رقع صف
وأخرج عن ابن أبي شيبة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أبي سعيد الخدري . إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم ، وسدوا الفرج فإني أراكم من وراء ظهري
ومما يناسب ذلك أيضا قال في الصحيح باب الصلاة بين السواري في غير جماعة ، ثم أورد فيه حديث البخاري عن ابن عمر بلال في الصلاة في الكعبة ، قال الحافظ ابن حجر : إنما قيدها بغير الجماعة ; لأن ذلك يقطع الصفوف ، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب ، وقال الرافعي في شرح المسند : احتج [ ص: 63 ] بهذا الحديث على أنه لا بأس البخاري ، إذا لم يكن في جماعة ، وقال بالصلاة بين الساريتين المحب الطبري : كره قوم الصف بين السواري ، للنهي الوارد عن ذلك ، ومحل الكراهة عند عدم الضيق ، والحكمة فيه انقطاع الصف .
فهذا الذي أوردناه من الأحاديث ، وكلام شارحيها من أهل المذهب وغيرهم صريح في كراهة هذا الفعل ، وفي بعضها ما يصرح بسقوط الفضيلة ، ولنذكر الآن ما وقع في كتب المذهب من المكروهات التي لا فضيلة معها ، فأول ما صرحوا بذلك في مسألة المقارنة ، قال الرافعي رحمه الله في الشرح : قال : صاحب التهذيب ، وغيره : ذكروا أنه يكره ، وتفوت به فضيلة الجماعة . الإتيان بالأفعال مع الإمام
وكذا قال النووي في الروضة وشرح المهذب ، وابن الرفعة في الكفاية ، قال الزركشي في الخادم الكلام في هذه المسألة في شيئين أحدهما : في كون المقارنة مكروهة ، الثاني : تفويتها فضيلة الجماعة ، فأما الأول فقد صرح بالكراهة وتابعه البغوي الروياني ، وكلام الإمام وغيره يقتضي أنه خلاف الأولى ، وأما الثاني فعبارة التهذيب : إذا أتى بالأفعال مع الإمام يكره ، وتفوت به فضيلة الجماعة ، ولكن تصح صلاته .
وقال ابن الأستاذ : في هذا نظر ، فإنه حينئذ ينبغي أن يجري الخلاف في صحة صلاته إلا أن يقال : تفوته فضيلة الأولوية مع أن حكم الجماعة عليه ، وقال التاج الفزاري : في كلام نظر ، فإنه حكم بفوات فضيلة الجماعة وحكم بصحة الصلاة وذلك تناقض وتبعه أيضا البغوي السبكي ، وصاحب المهمات والبارزي في توضيحه الكبير ، قال الزركشي : وهذا كله مردود ، فإن الصحة لا تستلزم الثواب بدليل ، والدار المغصوبة وإفراد يوم الجمعة بالصوم ، والحكم بانتفاء فضيلة الجماعة لا يناقض حصولها بدليل ما لو الصلاة في الثوب الحرير ، فالاقتداء صحيح ، وهو في جماعة لا ثواب فيها قال : ومما يشهد لانفكاك ثواب الجماعة ، صلى بالجماعة في أرض مغصوبة ، فإنه في جماعة قطعا ; لأن اقتداءه صحيح بلا خلاف ، وإلا لبطلت صلاته ، ومع ذلك اختلفوا في حصول الفضيلة له قال : وكذلك كل صلاة لا تستحب فيها الجماعة كصلاة العراة جماعة ، فإنه يصح الاقتداء ومع ذلك لا ثواب فيها ; لأنها غير مطلوبة . المسبوق يدرك الإمام بعد الركوع من الركعة الأخيرة
قال : والحاصل أن النووي نفى فضيلة الجماعة أي ثوابها ، ولم يقل : بطلت الجماعة . فدل على أن الجماعة باقية وأنه في حكم المقتدي ; لأنه يتحمل عنه السهو وغيره قال : والعجب من هؤلاء المشايخ ، كيف غفلوا عن هذا وتتابعوا على هذا الفساد وأن فوات الفضيلة يستلزم الخروج عن المتابعة ؟ [ ص: 64 ] وهذا عجب من القول مع وضوح أنه لا تلازم بينهما ، لما قلناه من بقاء الجماعة وصحة الاقتداء مع انتفاء الثواب في ما لا يحصى ، قال : وأما جزم بأنه يحصل له فضيلة الجماعة فأعجب ; لأن المقارنة مكروهة ، والمكروه لا ثواب فيه ، وكيف يتخيل مع ذلك حصول الثواب ؟ . البارزي
وقد ذكر الشيخ في تذكرة الخلاف فيمن أبو إسحاق الشيرازي : إنا وإن حكمنا بالصحة فقد فاتته الفضيلة ، قال أخرج نفسه من الجماعة الزركشي : وإذا ثبت هذا في المقارنة جرى مثله في سبق الإمام من باب أولى ، بل يجري أيضا في المساواة معه في الموقف ; فإنها مكروهة ، والضابط أنه حيث فعل مكروها في الجماعة من مخالفة المأموم ، فاتته فضيلتها إذ المكروه لا ثواب فيه ، وكذا لو ، فإن صلاته تصح ، وإن فاتته فضيلة الجماعة ، انتهى كلام الخادم بحروفه ، وقد تحصل من هذا صور منقولة تسقط فيها الفضيلة مع الصحة ، بعضها للكراهة وبعضها للتحريم ، وبعضها لعدم الطلب . اقتدى بإمام محدث ، وهو جاهل بحدثه
فمن الأول المسابقة ، والمقارنة ، والمفارقة والمساواة في الموقف ، ومن الثاني صلاة الجماعة في أرض مغصوبة ، ومن الثالث صلاة العراة ، وممن صرح بمسألة المساواة أيضا الحافظ ابن حجر ، فقال في شرح : الأصل في الإمام أن يكون مقدما على المأمومين ، إلا إن ضاق المكان ، أو كانوا عراة ، وما عدا ذلك تجزئ ، ولكن تفوت الفضيلة . البخاري
وصرح بذلك أيضا ابن العماد في القول التمام ، وعلله بارتكاب المكروه ، وكذا قال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج معبرا بقوله : ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة ، ثم قال الزركشي عند الكلام على مسألة المفارقة : حيث جوزنا له المفارقة ، فهل يبقى للمأموم فضيلة الجماعة التي أدركها ؟ الذي صرح به الصيرفي البقاء ، وكلام المهذب يقتضي المنع ، ويؤيده ما سبق عن من تفويت الفضيلة بالمقارنة ; فإنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة ، فلأن تفوت مع الاختلاف في البطلان أولى ثم قال : والمتجه التفصيل بين المعذور وغيره انتهى . البغوي
وذكر مثل ذلك ابن العماد في القول التمام ، ويؤخذ من قوله أنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة ففي الاختلاف في البطلان أولى فواتها أيضا في المنفرد وخلف الصف ، فإن مذهب أحمد بطلانها ، وهو وجه عندنا حكاه عن الدارمي ، وحكاه القاضي ابن خزيمة أبو الطيب عن ابن المنذر ، من أصحابنا قال والحميدي السبكي وغيره : ودليلهم قوي ، وقد علق القول به على صحة الحديث فقالوا : لو ثبت حديث الشافعي وابصة [ ص: 65 ] لقلت به وقد صححه ابن حبان والحاكم وحسنه ، ثم أطال الكلام في تقريره الجواب عن حديث الترمذي أبي بكرة ، وقد ورد أثر في سقوط الفضيلة في هذه الصورة بعينها أورده مستدلا به - وهو من كبار الشافعية - فروى من طريق المغيرة عن البيهقي إبراهيم فيمن ، فقال : صلاته تامة ، وليس له تضعيف ، ومعنى ذلك أنه لا تحصل له المضاعفة إلى بضع وعشرين الذي هو فضل الجماعة ، وقال في الروضة في مسألة الأداء خلف القضاء وعكسه : الأولى الانفراد للخروج من خلاف العلماء ، قال في الخادم : وإذا كان الأولى الانفراد لم يحصل له فضيلة الجماعة ، فهذه صورة أخرى ، وقال الحافظ صلى خلف الصف وحده ابن حجر والشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج في مسألة : صرح في شرح المهذب بأنه مكروه ، ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة ، فهذه صورة ثامنة ، ورأيت الشيخ الاقتداء في خلال الصلاة جلال الدين يشير إلى أنه حيث وجدت الكراهة سقطت الفضيلة ، كما لا يخفى ذلك من عبارته .
ومما يدل للكراهة في الصورة التي نحن بصددها ، قولهم بجواز التخطي في مثلها ، مع أن أصل التخطي مكروه كراهة شديدة عند الجمهور ، وحرام عند قوم ، واختاره النووي للأحاديث ، فلولا أنه أمر مهم جدا ما أبيح له ما هو في الأصل محرم أو مكروه كراهة شديدة مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " ( فإنه لا حرمة له ) ، ومما يؤنسك بهذا أن من قواعد الفقه وأصوله أن ما كان ممنوعا إذا جاز وجب ، وهذه قاعدة نفيسة استدلوا بها على ، فإن قطع جزء من بدن الإنسان ممنوع منه ، فلما جاز كان واجبا ، وتقريره هنا أن التخطي ممنوع منه إما تحريما أو كراهة ، فلما جاز بل طلب دل على أنه واجب في حصول الفضيلة والتضعيف وإن لم يكن واجبا في ذاته ، إذ لا يأثم تاركه ولا يقدح في صحة الصلاة . إيجاب الختان
وأما تحرير ، ففي الخادم في مسألة من أدرك الإمام بعد ركوع الأخيرة ذكروا أن كلام الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها الرافعي في آخر هذه المسألة يقتضي أن بركة الجماعة أمر غير فضيلة الجماعة ، وأن البركة هي التي تحصل لهذا دون الفضيلة ، قال : وبهذا يندفع ما قيل في المسألة من تناقض أو إشكال ، وقد وقع في ذكر حكمة هذا العدد المخصوص في الحديث ما يؤيد الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها ، قال الحافظ ابن حجر : ذكر المحب الطبري أن بعضهم قال : إن في حديث ما يشير إلى ذلك حيث قال [ ص: 66 ] وذلك أنه إذا توضأ إلى آخره ، وهذا ظاهر في أن الأمور المذكورة عليه للتضعيف المذكور ، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا ، وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه والروايات المطلقة لا تنافيها بل تحمل عليها ، قال : وقد نقحت الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة فإذا هي خمس وعشرون في السرية ، وسبع وعشرون في الجهرية ، وبذلك يجمع بين الحديثين ، أولها إلى الخامس : إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة ، والتبكير إليها في أول الوقت ، والمشي إلى المسجد بالسكينة ، ودخول المسجد داعيا ، وصلاة التحية عند دخوله ، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة ، سادسها : انتظار صلاة الجماعة والتعاون على الطاعة ، سابعها : صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ، ثامنها : شهادتهم له ، تاسعها : إجابة الإقامة ، عاشرها : السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة ، حادي عشرها : الوقوف منتظرا إحرام الإمام والدخول معه في أي هيئة وجده عليها ، ثاني عشرها : إدراك تكبيرة الإحرام ، ثالث عشرها : تسوية الصفوف وسد فرجها ، رابع عشرها : جواب الإمام عند قوله : سمع الله لمن حمده ، خامس عشرها : الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح والفتح عليه ، سادس عشرها : حصول الخشوع والسلامة مما يلهي غالبا ، سابع عشرها : تحسين الهيئة غالبا ، ثامن عشرها : إحفاف الملائكة ، تاسع عشرها : التدريب على تجويد القراءة ، وتعلم الأركان والأبعاض ، العشرون : إظهار شعائر الإسلام ، الحادي والعشرون : إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل ، الثاني والعشرون : السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره به الظن بأنه ترك الصلاة رأسا ، الثالث والعشرون : رد السلام على الإمام ، الرابع والعشرون : الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل منهم على الناقص ، الخامس والعشرون : قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات . وتزيد الجهرية بالإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتيامن عند تأمينه ، قال الحافظ أبي هريرة ابن حجر : ومقتضى ذلك اختصاص التضعيف بالتجميع في المسجد وإلا تسقط ثلاثة أشياء وهي : المشي والدخول والتحية ، فيمكن أن يعوض من ذلك ما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة ، لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص ، وكذا فائدة قيام الألفة غير فائدة حصول التعاهد ، وكذا فائدة أمن [ ص: 67 ] المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها ، فيمكن أن يعوض من تلك الثلاثة هذه فيحصل المطلوب ، قال : ولا يرد على ذلك كون بعض الخصال تختص ببعض من صلى جماعة دون بعض ، كالتكبير وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ، ونحو ذلك ، لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك ; لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع ، إذا علمت ذلك فالإخلال بسد الفرجة لا يحصل معه التضعيف المذكور قطعا لأنه خصلة من الخصال المقابلة بدرجة ، ثم إنه يسقط بسببه خصال أخر كالسلامة من الشيطان ; لتصريح الحديث بتخلل الشيطان بينهم ، وإحفاف الملائكة لعدم مجامعتهم للشياطين ، وصلاة الملائكة وشهادتهم له؛ لأن ذلك ينافي ورود الوعيد عليه ، وقيام نظام الألفة لإخبار الحديث بأنه يورث مخالفة القلوب ، وعود بركة الكامل على الناقص لذلك أيضا ، وعدم الأمن من السهو غالبا ، وعدم إرغام الشيطان ، وعدم الخشوع لوسوسة الشياطين المتخللة ، فهذه فيفوت بسببها عشر درجات . عشر خصال تفوت بعدم سد الفرجة
فإن انضم إلى ذلك عدم التبكير والانتظار والوقوف منتظرا إحرام الإمام وإدراك تكبيرة الإحرام إذ المقصر في سد الفرجة مع سهولتها أقرب إلى التقصير في المذكورات ، وأبعد من المبادرة إليها ، ومن أن تكون له عادة بالمحافظة عليها سقط خمسة أخرى ، وإن انضم إلى ذلك بعده عن الإمام وتراخي الصف الذي وقف فيه عن سد الفرجة تسقط خصلتان وهي تنبيه الإمام إذا سها والاستماع لقراءة الإمام فيصير الحاصل له في الجهرية عشر درجات ، وفي السرية تسع والله أعلم .
ومما يدل على ذلك أيضا ما رواه في سننه بإسناد حسن عن سعيد بن منصور أوس المعافري أنه قال : أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته ؟ قال : حسن جميل ، قال : فإن صلى في مسجد عشيرته ، قال : خمس عشرة صلاة ، قال : فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه ، قال : خمس وعشرون . لعبد الله بن عمرو بن العاص
وبذلك يندفع قول من قال : إن والجماعة التي فيها خلل يحصل فيها هذا العدد ، لكن درجات الأول أعظم وأكمل كما قيل في بدنة المبكر إلى الجمعة ، حيث يشترك فيها الآتي أول الساعة وآخرها ، والصحابة أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم وبتفسير معاني كلامه من غيرهم ، وأيضا فالأصح في تفسير الدرجة [ ص: 68 ] أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع كما رجحه جماعة منهم الجماعة الكاملة يحصل فيها خمس وعشرون درجة ابن دقيق العيد ; لأنه ورد مبينا في بعض الروايات كحديث مسلم : ( ) ، قال الحافظ صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ ابن حجر : وهو مقتضى قوله تضعف؛ لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ، فالتفاوت في ذلك إنما يقع بزيادة عدد المثل ونقصانه لا بارتفاعه وانحطاطه بخلاف البدنة ونحوها ، فإنها مما تقبل العظم والخسة كما لا يخفى ، وقد أورد أن ، فقلت : المراد أن تلك الصلاة التي صلاها بعينها في الجماعة تحصل له مثل ما لو صلاها منفردا بضعا وعشرين مرة ، سواء كانت في نهاية الكمال أم لا ، فنقصان سد الفرج ونحوه أمر زائد على نقصان أصل الصلاة قطعا ، وأورد أن كلام الصلاة أيضا تتفاوت بالكمال والنقصان ابن عمرو محمول على أنه قاله اجتهادا فلا يقلد فيه، ولو قاله مرفوعا لتم الاحتجاج به على ذلك ، فقلت : هذا من قبيل المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي إذ هو من أمور الآخرة التي لا تقال إلا عن توقيف ، وأورد أن الآتي ولا فرجة في الصف يؤمر بجذب رجل ويؤمر ذاك بمساعدته فيصير في الصف فرجة ، فقلت : هذا للضرورة ولدفع ما هو أشد كراهة وإحرازا لصحة الصلاة على قول من يرى بطلانها [ قال الشمس الداودي : قال مؤلفه شيخنا : وكانت هذه الفتوى والتأليف في صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة ] والله أعلم .