( 1858 ) مسألة : قال : وجملته أن الأرض قسمان : صلح وعنوة ، فأما الصلح فهو كل أرض صالح أهلها عليها لتكون لهم ، ويؤدون خراجا معلوما ، فهذه الأرض ملك لأربابها ، وهذا الخراج في حكم الجزية ، متى أسلموا سقط عنهم ، ولهم بيعها وهبتها ورهنها ; لأنها ملك لهم ، وكذلك إن صالحوا على أداء شيء غير موظف على الأرض ، وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها ، كأرض ( والأرض أرضان : صلح ، وعنوة ) المدينة وشبهها ، فهذه ملك لأربابها ، لا خراج عليها ، ولهم التصرف فيها كيف شاءوا .
وأما الثاني ، وهو ما فتح عنوة ، فهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف ، ولم تقسم بين الغانمين ، فهذه تصير للمسلمين ، يضرب عليها خراج معلوم ، يؤخذ منها في كل عام ، يكون أجرة لها ، وتقر في أيدي أربابها ، ما داموا يؤدون خراجها ، سواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة .
ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ، ولا بانتقالها إلى مسلم ; لأنه بمنزلة أجرتها ، ولم نعلم أن شيئا مما فتح عنوة قسم بين المسلمين إلا خيبر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم نصفها ، فصار ذلك لأهله ، لا خراج عليه ، وسائر ما فتح عنوة مما فتحه رضي الله عنه ومن بعده ، كأرض عمر بن الخطاب الشام والعراق ومصر وغيرها ، لم يقسم منه شيء ، فروى أبو عبيد ، في " الأموال " أن رضي الله عنه قدم عمر الجابية ، فأراد قسمة الأرض بين المسلمين ، فقال له : والله إذا ليكونن ما تكره ، إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة ، ثم يأتي بعدهم قوم أخر يسدون من الإسلام مسدا وهم لا يجدون شيئا ، فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم . فصار معاذ إلى قول عمر معاذ
وروى أيضا ، قال : قال الماجشون : قال بلال رضي الله عنه في القرى التي افتتحوها عنوة : اقسمها بيننا ، وخذ خمسها . فقال لعمر بن الخطاب : لا ، هذا عين المال ، ولكني أحبسه فيئا يجري عليهم وعلى المسلمين . فقال عمر وأصحابه بلال : اقسمها بيننا . فقال لعمر : اللهم اكفني عمر وذويه . قال فما حال الحول ومنهم عين تطرف . بلالا
وروى ، بإسناده عن سفيان بن وهب الخولاني ، قال : لما افتتح عمرو بن العاص مصر ، قام ، فقال : يا ابن الزبير ، اقسمها . فقال عمرو بن العاص : لا أقسمها . فقال عمرو : لتقسمنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن الزبير خيبر . فقال : لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين ، فكتب إلى عمرو ، فكتب إليه عمر : أن دعها حتى يعروا منها حبل الحبلة . قال عمر : ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه قسم أرضا عنوة إلا القاضي خيبر .