الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( والغسل ) إما كامل وإما مجزئ ف ( الكامل ) المشتمل على الواجبات والسنن : ( أن ينوي ) أي : يقصد رفع الحدث الأكبر ، أو استباحة الصلاة ونحوها ( ثم يسمي ) فيقول : بسم الله ، لا يقوم غيرها مقامها ( ثم يغسل يديه ثلاثا ) كالوضوء ، لكن هنا آكد لاعتبار رفع الحدث عنهما ولفعله صلى الله عليه وسلم في حديث ميمونة { فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا } ويكون قبل إدخالهما الإناء ذكره في الكافي وغيره ( ثم يغسل ما لوثه من أذى ) لحديث عائشة { فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه } .

                                                                                                                      وظاهره : لا فرق بين أن يكون على فرجه أو بقية بدنه ، وسواء كان نجسا كما صرح به في المحرر أو مستقذرا طاهرا ، كالمني كما ذكره بعضهم ( ثم يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا ) لحديث عائشة المتفق عليه ( ثم يتوضأ كاملا ) لقوله صلى الله عليه وسلم { ثم يتوضأ وضوءه للصلاة } وعنه يؤخر غسل رجليه لحديث ميمونة ( ثم يحثي على رأسه ثلاثا ، يروي بكل مرة أصول شعره ) لقول ميمونة { ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات } ولقول عائشة { ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر ، حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات } ولقوله صلى الله عليه وسلم { تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة } رواه أبو داود .

                                                                                                                      يقال : حثوت أحثو حثوا ، كغزوت ، وحثيت أحثي حثيا كرميت ، واستحب الموفق أو غيره تخليل أصول شعر رأسه قبل إفاضة الماء عليه ، لحديث عائشة ( ثم يفيض الماء على بقية جسده ) لقول عائشة { ثم أفاض على سائر جسده } ولقول ميمونة { ثم غسل سائر جسده } ( ثلاثا ) قياسا على الوضوء ( يبدأ بشقه الأيمن ، ثم ) بشقه [ ص: 153 ] ( الأيسر ) لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم { كان يعجبه التيمن في طهوره } ( ويدلك بدنه بيديه ) ; لأنه أنقى ، وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ، وبه يخرج من الخلاف .

                                                                                                                      قال في الشرح : يستحب إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء ، ولا يجب إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده ( ويتفقد أصول شعره ) لقوله صلى الله عليه وسلم { تحت كل شعرة جنابة } ( وغضاريف أذنيه ، وتحت حلقه وإبطيه ، وعمق سرته وحالبيه ) .

                                                                                                                      قال في الصحاح : الحالبان عرقان يكتنفان السرة ( وبين أليته وطي ركبتيه ) ليصل الماء إليها ( ويكفي الظن في الإسباغ ) أي : في وصول الماء إلى البشرة ; لأن اعتبار اليقين حرج ومشقة ( ثم يتحول عن موضعه فيغسل قدميه ، ولو ) كان ( في حمام ونحوه ) مما لا طين فيه لقول ميمونة { ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه } .

                                                                                                                      ( وإن أخر غسل قدميه في وضوئه فغسلهما آخر غسله فلا بأس ) لوروده في حديث ميمونة ( وتسن موالاة ) في الغسل بين غسل جميع أجزاء البدن ، لفعله صلى الله عليه وسلم ( ولا تجب ) الموالاة في الغسل ( كالترتيب ) ; لأن البدن شيء واحد بخلاف أعضاء الوضوء ( فلو اغتسل إلا أعضاء الوضوء ) ثم أراد غسلها من الحدثين ( لم يجب الترتيب فيها ) ولا الموالاة ( لأن حكم الجنابة باق ، وإن فاتت الموالاة ) قبل إتمام الغسل ، بأن جف ما غسله من بدنه بزمن معتدل وأراد أن يتم غسله ( جدد لإتمامه نية وجوبا ) لانقطاع النية بفوات الموالاة ، فيقع غسل ما بقي بدون نية .

                                                                                                                      ( ويسن سدر في غسل كافر أسلم ) لحديث { قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر } رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه .

                                                                                                                      ( و ) يسن ( إزالة شعره ، فيحلق رأسه ، إن كان رجلا ) ويأخذ عانته وإبطيه مطلقا ، لقوله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم { ألق عنك شعر الكفر ، واختتن } رواه أبو داود ( ويغسل ثيابه ) قال أحمد : قال بعضهم : إن قلنا بنجاستها ، وجب وإلا استحب .

                                                                                                                      ( ويختتن ) الكافر إذا أسلم ( وجوبا بشرطه ) وهو أن يكون مكلفا ، وأن لا يخاف على نفسه منه ( ويسن سدر في غسل حيض ونفاس ) لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : { إذا كنت حائضا خذي ماءك وسدرك وامتشطي } وروت { أسماء أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الحيض فقال : تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر } الحديث رواه مسلم والنفاس كالحيض .

                                                                                                                      ( و ) يسن أيضا ( أخذها مسكا ، إن لم تكن محرمة فتجعله في فرجها في قطنة أو غيرها ) كخرقة [ ص: 154 ] ( بعد غسلها ليقطع الرائحة ) أي : رائحة الحيض أو النفاس ، { لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء لما سألته عن غسل الحيض : ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها } رواه مسلم من حديث عائشة والفرصة القطعة من كل شيء ( فإن لم تجد ) مسكا ( فطيبا ) لقيامه مقام المسك في ذلك لا لمحرمة فإن الطيب بأنواعه يمتنع عليها لما يأتي في الإحرام ( فإن لم تجد فطينا ، ولو محرمة فإن تعذر فالماء ) الطهور ( كاف ) لحصول الطهارة به .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية