ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين
قرئ: (ليحبطن عملك) وليحبطن: على البناء للمفعول. و (لنحبطن)، بالنون والياء، أي: ليحبطن الله، أو الشرك. فإن قلت: الموحى إليهم جماعة، فكيف قال: لئن أشركت على التوحيد؟ قلت: معناه أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، وإلى الذين من قبلك مثله، أو أوحى إليك وإلى كل واحد منهم: لئن أشركت كما تقول: كسانا حلة، أي: كل واحد منا. فإن قلت: ما الفرق بين اللامين؟ قلت: الأولى موطئة للقسم المحذوف، والثاني لام الجواب، وهذا الجواب ساد مسد الجوابين، أعني: جوابي القسم والشرط، فإن قلت: كيف صح هذا الكلام مع علم الله أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض، والمحالات يصح فرضها لأغراض، فكيف بما ليس بمحال؟ ألا ترى إلى قوله: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا [يونس: 99] يعني على سبيل الإلجاء، ولن يكون ذلك لامتناع الداعي إليه ووجود الصارف عنه. فإن [ ص: 320 ] قلت: ما معنى قوله: ولتكونن من الخاسرين ؟ قلت: يحتمل ولتكونن من الخاسرين بسبب حبوط العمل. ويحتمل: ولتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم إن مت على الردة. ويجوز أن يكون غضب الله على الرسول أشد، فلا يمهله بعد الردة، ألا ترى إلى قوله تعالى: إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات [الإسراء: 75]، بل الله فاعبد رد لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم، كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته، بل إن كنت عاقلا فاعبد الله، فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا منه. وكن من الشاكرين على ما أنعم به عليك، من أن جعلك سيد ولد آدم، وجوز نصبه بفعل مضمر هذا فمعطوف عليه، تقديره: بل الله أعبد فاعبد. الفراء