[ ص: 211 ] كان المشركون يحتفون حول النبي صلى الله عليه وسلم حلقا حلقا وفرقا فرقا، يستمعون ويستهزئون بكلامه. ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم، فنزلت: "مهطعين" مسرعين نحوك، مادي أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك "عزين" فرقا شتى جمع عزة، وأصلها عزوة، كأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى: فهم مفترقون. قال [من الوافر]: الكميت
ونحن وجندل باغ تركنا كتائب جندك شتى عزينا
وقيل: كان المستهزئون خمسة أرهط "كلا" ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة، ثم علل ذلك بقوله: إنا خلقناهم مما يعلمون إلى آخر السورة، وهو كلام دال على إنكارهم البعث، فكأنه قال: كلا إنهم منكرون للبعث والجزاء; فمن أين يطعمون في دخول الجنة؟ فإن قلت: من أي وجه دل هذا الكلام على إنكار البعث؟ قلت: من حيث أنه احتجاج عليهم بالنشأة الأولى، كالاحتجاج بها عليهم في مواضع من التنزيل، وذلك قوله: خلقناهم مما يعلمون أي: من النطف، وبالقدرة على أن يهلكهم ويبدل ناسا خيرا منهم، وأنه ليس بمسبوق على ما يريد تكوينه لا يعجزه شيء، والغرض أن من قدر على ذلك لم تعجزه الإعادة. ويجوز أن يراد: إنا خلقناهم مما يعلمون، أي: من النطفة المذرة، وهي منصبهم الذي لا منصب أوضع منه. ولذلك أبهم وأخفي: إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ويقولون: لندخلن الجنة قبلهم. وقيل: معناه: إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بني آدم كلهم، ومن حكمنا أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح، فلم يطمع أن يدخلها من ليس له إيمان وعمل. وقرئ: برب المشرق والمغرب، ويخرجون. ويخرجون ومن الأجداث سراعا، بالإظهار والإدغام. ونصب، ونصب: وهو كل ما نصب فعبد من دون الله "يوفضون" يسرعون إلى الداعي مستبقين كما كانوا يستبقون إلى أنصابهم.[ ص: 212 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة سأل سائل أعطاه الله ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون".