قيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح : عاد، كما يقال لبني هاشم : هاشم. ثم قيل للأولين منهم عاد الأولى وإرم، تسمية لهم باسم جدهم، ولمن بعدهم: عاد الأخيرة. قال ابن الرقيات [من المنسرح]:
مجدا تليدا بناه أوله أدرك عادا وقبلها إرما
فإرم في قوله: بعاد إرم عطف بيان لعاد، وإيذان بأنهم عاد الأولى القديمة. وقيل: [ ص: 369 ] إرم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها، ويدل عليه قراءة "بعاد إرم" على الإضافة وتقديره: بعاد أهل إرم، كقوله: ابن الزبير واسأل القرية [يوسف: 82]. ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث. وقرأ : "بعاد أرم"، مفتوحتين. وقرئ: بعاد إرم بسكون الراء على التخفيف، كما قرئ: "بورقكم" وقرئ: بعاد إرم ذات العماد، بإضافة إرم إلى ذات العماد. والإرم: العلم، يعني: بعاد أهل أعلام ذات العماد. و الحسن ذات العماد اسم المدينة. وقرئ: "بعاد إرم ذات العماد" أي: جعل الله ذات العماد رميما بدلا من فعل ربك; وذات العماد إذا كانت صفة للقبيلة، فالمعنى: أنهم كانوا بدويين أهل عمد، أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة. ومنه قولهم: رجل معمد وعمدان: إذا كان طويلا. وقيل: ذات البناء الرفيع، وإن كانت صفة للبلدة فالمعنى: أنها ذات أساطين. وروي أنه كان لعاد ابنان: شداد وشديد; فملكا وقهرا، ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد، فملك الدنيا ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة فقال: أبني مثلها، فبني إرم في بعض صحاري عدن في ثلثمائة سنة، وكان عمره تسعمائة سنة، وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة، وأساطينها من الزبرجد والياقوت. وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة; ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته; فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا. وعن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له، فوقع عليها، فحمل ما قدر عليه مما ثم، وبلغ خبره فاستحضره، فقص عليه، فبعث إلى معاوية فسأله فقال: هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل له; ثم التفت فأبصر كعب ابن قلابة فقال: هذا والله ذلك الرجل. لم يخلق مثلها مثل عاد في البلاد عظم أجرام وقوة، كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع، وكان يأتي الصخرة العظيمة فيحملها فيلقيها على الحي فيهلكهم، أو لم يخلق مثل مدينة شداد في جميع بلاد الدنيا. وقرأ : "لم يخلق ملثها"، أي: لم يخلق الله مثلها ابن الزبير جابوا الصخر قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا، كقوله: وتنحتون من الجبال بيوتا [الشعراء: 149]. قيل: : ثمود، وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من [ ص: 370 ] الحجارة. قيل له: ذو الأوتاد، لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا، أو لتعذيبه بالأوتاد، كما فعل بماشطة بنته وبآسية أول من نحت الجبال والصخور والرخام الذين طغوا أحسن الوجوه فيه أن يكون في محل النصب على الذم. ويجوز أن يكون مرفوعا على: هم الذين طغوا أو مجرورا على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون. يقال: صب عليه السوط وغشاه وقنعه، وذكر السوط: إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به. وعن عمر بن عبيد : كان إذا أتى على هذه الآية قال: إن عند الله أسواطا كثيرة، فأخذهم بسوط منها. المرصاد: المكان الذي يترتب فيه الرصد. "مفعال" من رصده. كالميقات من وقته. وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه. وعن بعض العرب أنه قيل له: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد. وعن الحسن رحمه الله أنه قرأ هذه السورة عند بعض الظلمة حتى بلغ هذه الآية فقال: إن ربك لبالمرصاد يا فلان، عرض له في هذا النداء بأنه بعض من توعد بذلك من الجبابرة ، فلله دره، أي أسد فراس كان بين ثوبيه، يدق الظلمة بإنكاره، ويقصع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه. عمرو بن عبيد