قوله عز وجل:
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما
اختلف الناس في الأمانة، فقال رضي الله عنه: هي أمانات المال كالودائع ونحوها، وروي عنه أنه في كل الفرائض، وأشدها أمانة المال. ابن مسعود
وذهبت فرقة هي الجمهور إلى أنها كل شيء يؤتمن الإنسان عليه، من أمر ونهي وشأن دين ودنيا، فالشرع كله أمانة، قال رضي الله عنه: من الأمانة أن تؤتمن المرأة على فرجها، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: غسل الجنابة أمانة، ومعنى الآية: إنا عرضنا على هذه المخلوقات العظام أن تحمل الأوامر والنواهي، وتقتضي الثواب إن أحسنت والعقاب إن أساءت، فأبت هذه المخلوقات وأشفقت. أبو الدرداء
[ ص: 153 ] ويحتمل أن يكون هذا بإدراك يخلقه الله لها، ويحتمل أن يكون هذا العرض على من فيها من الملائكة، وروي أنها قالت: رب ذرني مسخرة لما شئت أنت، طائعة فيه، ولا تكلني إلى نظري وعملي، ولا أريد ثوابا، وحمل الإنسان الأمانة: أي: التزم القيام بحقها، وهو في ذلك ظلوم لنفسه، جهول بقدر ما دخل فيه، وهذا هو تأويل ، ابن عباس . وقال وابن جبير "وحملها" معناه خان فيها، والآية في الكافر والمنافق. الحسن:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والعصاة على قدرهم.
وقال وأصحابه، ابن عباس ، وغيره: الإنسان: والضحاك آدم، تحمل الأمانة، فما تم له يوم حتى عصى المعصية التي أخرجته من الجنة، وروي أن الله تبارك وتعالى قال له: يا آدم، إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، أفتحملها أنت بما فيها؟ قال: وما فيها؟ قال: إن أحسنت أجرت، وإن أسأت عوقبت، قال: نعم قد حملتها، قال رضي الله عنهما، فما مر له ما بين الأولى والعصر حتى عصى ربه. ابن عباس
وقال ابن مسعود : الإنسان ابن آدم، وابن عباس قابيل الذي قتل أخاه، وكان قد تحمل لأبيه الأمانة أن يحفظ الأهل بعده، وكان آدم عليه السلام سافر إلى مكة في حديث طويل ذكره وغيره. الطبري
وقال بعضهم: الإنسان: النوع كله، وهذا حسن مع عموم الأمانة.
وقال : معنى الآية: إنا عرضنا الأمانة في نواهينا وأوامرنا على هذه المخلوقات، فقمن بأمرها، وأطعن فيما كلفناها، وتأبين من حمل المذمة في معصيتنا، وحمل الإنسان المذمة فيما كلفناه من أوامرنا وشرعنا، والإنسان - على تأويله - الكافر والعاصي. الزجاج
وتستقيم هذه الآية مع قوله تعالى: أتينا طائعين ، فعلى التأويل الأول الذي حكيناه يكون قوله: أتينا طائعين إجابة لأمر أمرت به، وتكون هذه الآية إباية وإشفاقا [ ص: 154 ] من أمر عرض عليها وخيرت فيه، وروي أن الله عرض الأمانة على هذه المخلوقات فأبت. فلما عرضها الله تبارك وتعالى على آدم عليه السلام قال: أنا أحملها بين أذني وعاتقي، فقال الله: إني سأعينك، قد جعلت لبصرك حجابا فأغلقه عما لا يحل لك، ولفرجك لباسا فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك. وروي في هذا المعنى أشياء تركتها اختصارا لعدم صحتها.
وقال قوم: إن الآية من المجاز، أي: إنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبتها وأشفقت، فعبر عن هذا المعنى بقوله بالآية، وهذا كما تقول: عرضت الحمل على البعير فأباه، وأنت تريد بذلك: قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه.
وقوله تعالى: ليعذب الله اللام لام العاقبة; لأن الإنسان لم يحمل ليقع العذاب، لكن حمل فصار الأمر وآل إلى أن يعذب من نافق ومن أشرك، وأن يتوب على من آمن. وقرأ الجمهور: "يتوب" نصبا، عطفا على قوله: "ليعذب"، ورفعها الحسن على القطع والاستئناف. وباقي الآية بين.
كمل بعون الله وتوفيقه تفسير سورة الأحزاب
والحمد لله رب العالمين