قوله عز وجل:
والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير
هذه الآية آية تذكير بصفات الله تعالى على نحو ما تقدم، وهذه المحاورة إنما هي في أمر الأصنام وفي بعث الأجساد من القبور، وقال تعالى خلقكم من تراب من حيث خلق آدم أبانا منه عليه السلام. ثم من نطفة أي بالتناسل من مني الرجال، وأزواجا قيل: معناه: أنواعا، وقيل: أراد تزويج الرجال النساء.
وقوله تعالى: وما يعمر من معمر الآية... اختلف الناس في عود الضمير في قوله: ولا ينقص من عمره ، فقال رضي الله عنهما، وغيره ما مقتضاه أنه عائد على ابن عباس " معمر " الذي هو اسم جنس، والمراد غير الذي يعمر، أي أن القول تضمن شخصين، يعمر أحدهما مائة سنة أو نحوها، وينقص من الآخر بأن يكون عاما واحدا أو نحوه، وهذا قول ، الضحاك ، لكنه أعاد ضميرا إيجازا واختصارا، والبيان التام أن يقول: ولا ينقص من عمر معمر ; لأن لفظة " وابن زيد معمر " هي بمنزلة: ذي عمر ، كأنه [ ص: 208 ] قال: ولا يعمر من ذي عمر ولا ينقص من عمر ذي عمر .
وقال رضي الله عنهما أيضا، ابن عباس وأبو مالك ، : المراد شخص واحد، وعليه يعود الضمير، أي: ما يعمر إنسان ولا ينقص من عمره، بأن يحصى ما مضى منه، إذا مر حول كتب ذلك، ثم حول، فهذا هو النقص، قال وابن جبير : ما مضى من عمره فهو النقص، وما يستقبل فهو الذي يعمره، وروي عن ابن جبير أنه قال: المعنى: ولا ينقص من عمره، أي: لا يخترم بسبب قدرة الله تعالى، ولو شاء لأخر ذلك السبب، وروي أنه قال: حين طعن كعب الأحبار رضي الله تعالى عنه: "لو دعا الله تعالى لزاد في أجله"، فأنكر عليه المسلمون ذلك، وقالوا إن الله تعالى يقول: عمر فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ، فاحتج بهذه الآية. وهو قول ضعيف مردود، يقتضي القول بالأجلين، وبنحوه تمسكت المعتزلة.
وقرأ الحسن، ، والأعرج : "ينقص" على بناء الفعل للفاعل، أي: ينقص الله، وقرأ: "من عمره" بسكون الميم وابن سيرين الحسن، وداود. والكتاب المذكور في الآية: اللوح المحفوظ. وقوله: إن ذلك إشارة إلى تحصيل هذه الأعمار واختصار دقائقها وساعاتها.