وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
هذه آية أخرى يستدل بها كل عاقل، ويقطع أنها مما لا مدخل لصنم فيه، و"البحران" يريد بهما جميع الماء الملح وجميع الماء العذب حيث كان، فهو يعني به جملة هذا وجملة هذا، و"الفرات": الشديد العذوبة، و"الأجاج": الشديد الملوحة التي تميل إلى المرارة من ملوحته. قال : هو من: أججت النار، كأنه يحرق من حرارته. وقرأ الرماني : "سيغ شرابه" بغير ألف وبشد الياء، وقرأ عيسى الثقفي : "ملح" بفتح الميم وكسر اللام. طلحة
[ ص: 209 ] و"اللحم الطري": الحوت، وهو موجود في البحرين، وكذلك الفلك تجري في البحرين، وبقيت الحلية وهي اللؤلؤ والمرجان، فقال وغيره: هذه عبارة تقتضي أن الحلية تخرج منهما، وهي إنما تخرج من الملح، وذلك يجوز، كما قال في آية أخرى: الزجاج يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ، وكما قال: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ، والرسل إنما هي من الإنس.
وقال بعض الناس: بل الحلية تخرج من البحرين; وذلك أن صدف اللؤلؤ إنما يلحقه - فيما يزعمون - ماء السماء، فمنه ما يخرج ويوجد الجوهر فيه، ومنه ما ينشق في البحر عند موته ويقطعه فيخرج جوهره بالعطش وغير ذلك من الحيل، فهذا هو من الماء الفرات، فنسب إليه الإخراج لما كان من الحلية بسبب، وأيضا فإن البحر الفرات كله ينصب في البحر الأجاج فيجيء الإخراج منهما جميعا، وقد خطئ أبو ذؤيب في قوله في صفة الجوهر:
فجاء بها ما شئت من لطمية ... على وجهها ماء الفرات يموج
وليس ذلك بخطإ على ما ذكرنا من تأويل هذه الفرقة.
و"الفلك" في هذا الموضع جمع بدليل صفته بجمع.
و"مواخر" جمع ماخرة، وهي التي تمخر الماء، أي تشقه، وقيل: الماخرة: التي تشق الريح، وحينئذ يحدث الصوت، والمخر: الصوت الذي يحدث من جري السفينة بالريح، وعبر المفسرون عن هذا بعبارات لا تختص باللفظة، فقال بعضهم: المواخر [ ص: 210 ] هي التي تجيء وتذهب بريح واحدة، وقال : الريح تمخر السفن، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام، هكذا وقع لفظه في مجاهد ، والصواب أن تكون الفلك هي الماخرة لا الممخورة. البخاري
وقوله تعالى: [لتبتغوا] يريد بالتجارة والحج والغزو وكل سفر له وجه شرعي.