قوله عز وجل:
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون
هذا استئناف إخبار جره ما قبله، فأخبر تعالى أن بعثهم من قبورهم إنما هي زجرة واحدة، وهي وقوله: نفخة البعث في الصور، "ينظرون" يحتمل أن يريد: بالأبصار، أي: ينظرون ما هم فيه، وصدق ما كانوا يكذبون به، ويحتمل أن يكون بمعنى: ينتظرون ما يفعل بهم ويؤمرون به.
ثم أخبر عنهم أنهم في تلك الحال يقولون: "يا ويلنا"، ينادون الويل، بمعنى: هذا وقت حضورك وأوان حلولك. وروى الوقف هاهنا، وجعل قوله: أبو حاتم هذا يوم الدين من قول الله أو الملائكة لهم، ورأى غيره أن باقي الآية من قول الكفرة. و"الدين" الجزاء والمقارضة، كقولهم: "كما تدين تدان"، وأجمعوا أن قوله: هذا يوم الفصل ليس من قول الكفرة، وإنما المعنى: يقال لهم: هذا يوم الفصل.
وقوله تعالى: "وأزواجهم" يعني: وأنواعهم وضرباءهم، قاله [ ص: 277 ] رضي الله عنه، عمر بن الخطاب ، وابن عباس ومنه قوله: وقتادة وكنتم أزواجا ثلاثة ، وقوله: وإذا النفوس زوجت أي: نوعت، وروي أنه يضم عند هذا الأمر كل شكل إلى شكله، وكل صاحب من الكفرة إلى صاحبه، ومعهم ما كانوا يعبدون من دون الله، من آدمي رضي بذلك ومن صنم أو وثن توبيخا لهم وإظهارا لسوء حالهم. وقال المعنى: وأزواجهم المشركات من النساء، وروي ذلك عن الحسن: رضي الله عنهما، ورجحه ابن عباس . الرماني
وقوله تعالى: "فاهدوهم" معناه: قوموهم واحملوهم على طريق الجحيم، و"الجحيم" طبقة من طبقات جهنم يقال إنها الرابعة، ثم يأمر تعالى بوقفهم، ووقف يتعدى بنفسه، تقول: "وقفت زيدا"، وأمره بذلك على جهة التوبيخ لهم والسؤال، واختلف الناس في الشيء الذي يسألون عنه ، فروي عن أنه قال: يسألون: هل يحبون شرب الماء البارد؟ وهذا على طريق الهزء بهم، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: يسألون عن لا إله إلا الله، وقال الجمهور من المفسرين: عن أعمالهم، ويوقفون على قبحها، وهذا قول متجه عام في الهزء وغيره، وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنس وقفوهم إنهم مسؤولون ، وروى "أيما رجل دعا رجلا إلى شيء كان لازما له"، وقرأ: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ابن مسعود ويحتمل عندي أن يكون المعنى على ما فسره بقوله: "لا تزول قدما عبد من بين يدي الله تعالى حتى يسأله عن خمس: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله كيف اكتسبه وفيم أنفقه، وعما عمل فيما علم"، ما لكم لا تناصرون ، أي: تسألون عن امتناع التناصر. وقرأ بتاء واحدة شيبة، ، وقرأ ونافع خالد بتاءين، وكذلك في حرف ، وقرأ عبد الله بإدغام التاء في التاء من قراءة أبو جعفر بن القعقاع ، وقال ابن مسعود : هذا جواب [ ص: 278 ] الثعلبي أبي جهل حين قال في بدر: نحن جميع منتصر .
ثم أخبر تعالى بجوابهم في ذلك اليوم في حالة الاستسلام والإلقاء باليد.