قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم .
فيه أربع مسائل : الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29018قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب لما ميز بين الفريقين أمر بجهاد الكفار . قال
ابن عباس : الكفار المشركون عبدة الأوثان . وقيل : كل من خالف دين الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد ولا ذمة ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي وقال : وهو الصحيح لعموم الآية فيه .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فضرب الرقاب مصدر . قال
الزجاج : أي : فاضربوا الرقاب ضربا . وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بها . وقيل : نصب على الإغراء . قال
أبو عبيدة : هو كقولك يا نفس صبرا . وقيل : التقدير اقصدوا ضرب الرقاب . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فضرب الرقاب ولم يقل فاقتلوهم ; لأن في العبارة بضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل ، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره ، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4حتى إذا أثخنتموهم أي أكثرتم القتل . وقد مضى في ( الأنفال ) عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67حتى يثخن في الأرض .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فشدوا الوثاق أي إذا أسرتموهم . والوثاق اسم من الإيثاق ، وقد يكون مصدرا ، يقال : أوثقته إيثاقا ووثاقا . وأما الوثاق ( بالكسر ) فهو اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط ، قاله
القشيري . وقال
الجوهري : وأوثقه في الوثاق أي : شده ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فشدوا الوثاق والوثاق ( بكسر الواو ) لغة فيه . وإنما أمر بشد الوثاق لئلا
[ ص: 209 ] يفلتوا .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا عليهم بالإطلاق من غير فدية
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4وإما فداء ولم يذكر القتل هاهنا اكتفاء بما تقدم من القتل في صدر الكلام ، ومنا وفداء نصب بإضمار فعل . وقرئ ( فدى ) بالقصر مع فتح الفاء ، أي : فإما أن تمنوا عليهم منا ، وإما أن تفادوهم فداء .
روي عن بعضهم أنه قال : كنت واقفا على رأس
الحجاج حين أتي بالأسرى من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12582عبد الرحمن بن الأشعث وهم أربعة آلاف وثمانمائة فقتل منهم نحو من ثلاثة آلاف حتى قدم إليه رجل من
كندة فقال : يا
حجاج ، لا جازاك الله عن السنة والكرم خيرا قال : ولم ذلك ؟ قال : لأن الله تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء في حق الذين كفروا ، فوالله ما مننت ولا فديت ؟ وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاق :
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
فقال
الحجاج : أف لهذه الجيف أما كان فيهم من يحسن مثل هذا الكلام ؟ خلوا سبيل من بقي . فخلي يومئذ عن بقية الأسرى ، وهم زهاء ألفين ، بقول ذلك الرجل .
الثالثة : واختلف العلماء في تأويل هذه الآية على خمسة أقوال :
الأول : أنها منسوخة ، وهي في أهل الأوثان ، لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم . والناسخ لها عندهم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=57فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وقاتلوا المشركين كافة الآية ، قال
قتادة والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج والعوفي عن
ابن عباس ، وقاله كثير من
الكوفيين . وقال
عبد الكريم الجوزي : كتب إلى
أبي بكر في أسير أسر ، فذكروا أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا ، فقال اقتلوه ، لقتل رجل من المشركين أحب إلي من كذا وكذا .
الثاني : أنها في الكفار جميعا . وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء وأهل النظر ، منهم
قتادة ومجاهد . قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=8389إذا أسر المشرك لم يجز أن يمن عليه ، ولا أن يفادى به فيرد إلى المشركين ، ولا يجوز أن يفادى عندهم إلا بالمرأة ; لأنها لا تقتل . والناسخ لها :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف ، فوجب أن
nindex.php?page=treesubj&link=7998_8010_7979يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن يؤخذ منه الجزية . وهو المشهور
[ ص: 210 ] من مذهب
أبي حنيفة ، خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين . ذكر
عبد الرزاق أخبرنا
معمر عن
قتادة nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا بعد وإما فداء قال : نسخها
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=57فشرد بهم من خلفهم وقال
مجاهد : نسخها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . وهو قول
الحكم .
الثالث : أنها ناسخة ، قال
الضحاك وغيره روى
الثوري عن
جويبر عن
الضحاك :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال : نسخها
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا بعد وإما فداء وقال
ابن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عطاء :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا بعد وإما فداء فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى ، كما قال الله عز وجل . وقال
أشعث : كان
الحسن يكره أن يقتل الأسير ، ويتلو
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا بعد وإما فداء وقال
الحسن أيضا : في الآية تقديم وتأخير ، فكأنه قال : فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق وزعم أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يديه أن يقتله ، لكنه بالخيار في ثلاثة منازل : إما أن يمن ، أو يفادي ، أو يسترق .
الرابع : قول
سعيد بن جبير :
nindex.php?page=treesubj&link=8399_8402لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره .
الخامس : أن الآية محكمة ،
nindex.php?page=treesubj&link=8399_33439والإمام مخير في كل حال ، رواه
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس ، وقاله كثير من العلماء منهم
ابن عمر والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وهو مذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأبي عبيد وغيرهم . وهو الاختيار ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين فعلوا كل ذلك ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=866111قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبرا ، وفادى سائر أسارى بدر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=831168ومن على ثمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=866113وأخذ من nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها أناسا من المسلمين ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=866114وهبط عليه - عليه السلام - قوم من أهل مكة فأخذهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن عليهم ، وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=831169من على سبي هوازن . وهذا كله ثابت في الصحيح ، وقد مضى جميعه في ( الأنفال ) وغيرها .
قال
النحاس : وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما ، وهو قول حسن ; لأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع ، فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ ، إذا كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قتلناهم ، فإذا كان الأسر جاز القتل والاسترقاق والمفاداة والمن ، على ما فيه الصلاح للمسلمين . وهذا القول يروى عن
أهل المدينة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأبي عبيد ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي مذهبا عن
أبي حنيفة ، والمشهور عنه ما قدمناه ، وبالله - عز وجل - التوفيق .