الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
92- قوله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الآية. فيها تعظيم قتل المؤمن والإثم فيه ونفيه عن الخطأ وأن في قتل الخطأ كفارة ودية لا قصاص فيه وإن الدية مسلمة إلى أهل المقتول إلا أن يصدقوا بها أي يبرءوا منها ففيه جواز الإبراء من إبل الدية مع أنها مجهولة وفي قوله: مسلمة دون: يسلمها ، إشارة إلى أنها على عاقلة القاتل ذكره سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم واستدل بقوله: إلى أهله على أن الزوجة ترث منها; لأنها من جملة الأهل خلافا للظاهرية ، واحتج بها من أجاز إرث القاتل منها; لأنه من أهله واحتج الظاهرية بقوله: إلا أن يصدقوا على أن المقتول ليس له العفو عن الدية; لأن الله جعل ذلك لأهله خاصة وعموم الآية شامل للإمام إذا قتل خطأ خلافا لمن قال: لا شيء عليه ولا عاقلته ، واستدل بعمومها أيضا من قال إن في قتل العبد الدية والكفارة ، وأن على الصبي والمجنون إذا قتلا الكفارة وأن المشارك في القتل عليه كفارة كاملة.

قوله تعالى: فإن كان من قوم عدو لكم الآية. أخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس في قوله: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن قال: كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه وهم مشركون فيصيبه المسلمون في سرية أو غزاة فيعتق الذي يصيبه رقبة. وفي قوله: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق قال: هل الرجل يكون معاهدا ويكون قومه أهل عهد فيسلم إليهم الدية ويعتق الذي أصابه رقبة ، وقال الشافعي رحمه الله: المعنى فإن كان في قوم ، ففيها أن المؤمن إذا كان في بلاد الحرب فقتله رجل جاهل به فلا دية فيه بل الكفارة فقط ، وذهب آخرون إلى وجوب الدية; لعموم الآية الأولى وأن السكوت عنها هنا لا ينفيها وإنما سكت عنها; لأنه لا يجب فيه دية تسلم إلى أهل المقتول; لأن أهله كفار بل يكون لبيت المال فأراد أن يبين بالسكوت أن أهله لا يستحقون شيئا. قلت: المسألة في أعم من ذلك وقد يكون أهله مسلمين والصواب مع الشافعي; لأن الله ذكر الكفارة في المواضع الثلاثة وذكر الدية في الأول والثالث فلولا أنها لا تجب في الثاني لم يسكت عنها وفي بقية الآية أن المقتول إذا كان من أهل الذمة والعهد [ ص: 98 ] ففيه دية مسلمة إلى أهله مع الكفارة ، ففيه رد على من قال لا كفارة في قتل الذمي ، والذين قالوا ذلك قالوا: إن الآية في المؤمن الذي أهله أهل عهد ، وقالوا: إنهم أحق بديته لأجل عهدهم ويردده تفسير ابن عباس السابق ، وأنه تعالى لم يقل فيه مؤمن كما قال في الذي قبله ، واستدل أبو حنيفة بالآية على أن دية المسلم والذمي سواء يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا; لأنه تعالى ذكر في كل منهما الكفارة والدية ، فوجب أن تكون ديتهما سواء ، كما أن الكفارة عنهما سواء. وفي الآية أن الكفارة عتق رقبة مؤمنة فاستدل بها على عدم إجزاء كافرة لمن أجاز عتق كتابي أو مجوسي كبير أو صغير وعلى عدم إجزاء نصف رقبة ونصف أخرى وعلى إجزاء عتق ولد الزنا لدخوله في مسمى الرقبة ، وفيها أن فاقد الرقبة ينتقل إلى صوم شهرين متتابعين يكفر به ، أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: فمن لم يجد [رقبة] فصيام شهرين وأخرج عن مجاهد قال: فمن لم يجد دية أو عتاقة فصيام ، فاستبدل بهذا من قال: إن الصوم على فاقد الدية والرقبة يجزيه عنهما. قال ابن جرير: الصواب الأول; لأن الدية في الخطأ على العاقلة والكفارة على القاتل فلا يقضي صوم صائم عما لزم غيره في ماله ، واستدل بالاقتصار على الرقبة والصوم من قال: إنه لا إطعام في هذه الكفارة ، ومن قال ينتقل إليه عند العجز عن الصوم قاسه على الظهار ، واستدل بذكر الكفارة في الخطأ دون العمد من قال: إنه لا كفارة في العمد ، والشافعي قال: هو أولى بها من الخطأ.

التالي السابق


الخدمات العلمية