الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولما ذكر الاجتهاد في نحو الماء وهو [ ص: 102 ] مظروف ولا بد له من ظرف استطرد الكلام على ما يحل من الظروف فقال ( ويحل استعمال ) أي واقتناء ( كل إناء طاهر ) من حيث كونه طاهرا في الطهارة وغيرها إجماعا وقد { توضأ عليه الصلاة والسلام من شن من جلد ومن قدح من خشب ومن مخضب من حجر } فلا يرد المغصوب وجلد الآدمي ونحوهما ، وخرج بالطاهر النجس كالمتخذ من جلد ميتة فيحرم استعماله في نحو ماء قليل ، ولا ينافي الحرمة هنا ما يأتي من كراهة البول في الماء القليل لوجود التضمخ بالنجاسة هنا وعدم ذلك ثم ، لا في جاف والإناء غير رطب أو كثير لكنه يكره ، ومحل ذلك كما في التوسط في غير ما اتخذ من عظم كلب أو خنزير وما تفرع منهما أو من أحدهما وحيوان آخر .

                                                                                                                            أما هو فيحرم استعماله مطلقا . ولا يرد على المصنف ; لأن المفهوم فيه تفصيل ، وتكفي مخالفة حكم المفهوم حكم المنطوق ( إلا ذهبا أو فضة ) أي إناءيهما ( فيحرم ) استعماله على الرجال والنساء والخناثى في الطهارة وغيرها من غير ضرورة حتى يحرم على المكلف أن يسقي به مثلا غير مكلف ، والاستثناء في كلامه منقطع إن نظرنا إلى التأويل المار .

                                                                                                                            قال صلى الله عليه وسلم { لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها } رواه الشيخان ، ويقاس بما فيه [ ص: 103 ] ما في معناه ، فإن دعت ضرورة إلى استعماله كمرود منهما لجلاء عينه جاز ، وسواء أكان الإناء صغيرا أم كبيرا ، نعم الطهارة منه صحيحة والمأكول ونحوه حلال ; لأن التحريم للاستعمال لا لخصوص ما ذكر ، ويحرم التطيب منه بنحو ماء ورد والاحتواء على مبخرة منه أو جلوسه بقربها بحيث يعد متطيبا بها عرفا حتى لو بخر البيت بها أو وضع ثيابه عليها كان مستعملا لها .

                                                                                                                            ويحرم تبخير نحو الميت بها أيضا ، والحيلة كما في المجموع في الاستعمال إذا كان في إناء مما ذكر أن يخرجه منه إلى شيء آخر ولو في أحد كفيه التي لا يستعمله بها فيصبه أولا في يده اليسرى ثم في اليمنى ثم يستعمله ، ويحرم البول في إناء منهما أو من أحدهما ، ولا يشكل ذلك بحل الاستنجاء بهما ; لأن الكلام ثم في قطعة ذهب أو فضة ، لا فيما طبع أو هيئ منهما لذلك كالإناء المهيإ منهما للبول فيه . وتحرم [ ص: 104 ] المكحلة والمرود والخلال والإبرة والمجمرة والملعقة والمشط ونحوها من ذهب أو فضة ، والكراسي التي تعمل للنساء ملحقة بالآنية كالصندوق فيما يظهر كما قاله البدر بن شهبة ، والشراريب الفضة غير محرمة عليهن فيما يظهر لعدم تسميتها آنية .

                                                                                                                            وعلة التحريم في النقدين مركبة من العين والخيلاء كما يدل عليه كلامهم ، ولا فرق في حرمة ما تقدم بين الخلوة وغيرها ، إذ الخيلاء موجودة على تقدير الاطلاع عليه ، ولو وجد الذهب والفضة عند الاحتياج استعمل الفضة لا الذهب فيما يظهر ، ومحل حرمة استعمال الذهب ما لم يصدأ فإن صدئ : أي بحيث يستر الصدأ جميع ظاهره وباطنه بحيث لا يبين جاز نعم يجري فيه التفصيل الآتي في المموه بنحو نحاس ( وكذا ) يحرم ( اتخاذه ) أي اقتناؤه من غير استعمال ( في الأصح ) ; لأن اتخاذه يجر إلى استعماله والثاني لا اقتصارا على مورد النهي عن الاستعمال ، ويحرم تزين الحوانيت والبيوت بآنية النقدين ، ويحرم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة

                                                                                                                            التالي السابق



                                                                                                                            الخدمات العلمية