5400 - حدثنا ، قال : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أن عبد الله بن وهب حدثه ، عن مالكا ، أنه سمع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة رضي الله عنه يقول : أنس بن مالك أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا ، من نخل ، وكان أحب أمواله إليه حائطا حديلة ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب .
قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن الله عز وجل يقول في كتابه : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، وإن أحب الأموال إلي الحائط ؛ فإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ ، ذلك مال رابح ، بخ ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيه ، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين .
[ ص: 290 ] فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه كان .
قال : فهذا أبو جعفر أبو طلحة رضي الله عنه قد جعلها في أبي وحسان ، وإنما يلتقي هو عند أبيه السابع ؛ لأن وأبي أبا طلحة ، اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار .
وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، وكلاهما ليس بذي رحم محرم منه .
فدل ذلك على فساد قول من زعم أن القرابة ليست إلا من كانت رحمه رحما محرمة .
وأما ما ذهب إليه زفر بن الهذيل بما قد حكينا عنه في هذا الفصل ففاسد أيضا ؛ لأنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعطى بني هاشم ، وبني المطلب ما أعطاهم من سهم ذوي القربى - قد سوى بين من قربت رحمه منه ، وبين من بعدت رحمه منهم منه ، وهم جميعا له ذوو قرابة .
فلو كان من قرب منه يحجب من بعد منه ، إذا لما أعطاه بعيدا مع قريب ؛ لأن الله عز وجل إنما أمره أن يعطي ذا قرابته ، ولم يكن ليخالف ما أمره به .
وهذا أبو طلحة ، فقد جمع في عطيته ، أبي بن كعب وحسان بن ثابت ، وأحدهما أقرب إليه من الآخر إن كانا من ذوي قرابته .
ولم يكن لما فعل من ذلك مخالفا لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعطائه بني المطلب مع بني هاشم مخالفا أمر الله في إعطائه من أمره بإعطائه من قرابته .
وأما ما ذهب إليه الذين قالوا : قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الرابع إلى من هو أسفل منه من آبائه ففاسد أيضا ؛ لأن أهله الذين ذهبوا إليه أيضا ولهم عليه فيما ذكروا إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهم ذوي القربى بني المطلب ، وهم بنو أبيه الرابع ، ولم يعط بني أبيه الخامس ، ولا بني أحد من آبائه الذين فوق ذلك .
وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم حرم بني أمية ، وبني نوفل ، فلم يعطهم شيئا ، ليس لأنهم ليسوا من ذوي قرابته .
فكذلك يحتمل أيضا أن يكون إذ حرم من فوقهم أن يكون ذلك منه ، ليس لأنهم ليسوا من قرابته .
وهذا أبو طلحة ، فقد أعطى ما أمره الله والنبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه إياه ذا قرابته الفقراء ، بعض بني أبيه السابع .
فلم يكن بذلك أبو طلحة رضي الله عنه ، لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفا ، ولا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله من ذلك .
فأما ما ذهب إليه أن قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الثالث إلى من هو أسفل من ذلك ، فإنهم [ ص: 291 ] قالوا : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى ، أعطى بني هاشم جميعا ، وهم بنو أبيه الثالث ، فكانوا قرابتهم منه ، وأعطى بني المطلب ما أعطاهم ؛ لأنهم حلفاؤه ، ولو كان أعطاهم ؛ لأنهم قرابته ، لأعطى من هو في القرابة مثلهم ، من بني أمية ، وبني نوفل .
فهذا القول - عندنا - فاسد ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان أعطى بني المطلب بالحلف لا بالقرابة ، لأعطى جميع حلفائه ، فقد كانت خزاعة حلفاءه ، ولقد ناشده عمرو بن سالم الخزاعي بذلك الحلف .