الفصل الثاني في أن الأسماء اللغوية هل تثبت قياسا
. الأسماء اللغوية هل تثبت قياسا
وقد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : سموا الخمر من العنب خمرا ; لأنها تخمر العقل ، فيسمى النبيذ خمرا لتحقق ذلك المعنى فيه قياسا عليه حتى يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم { } وسمي الزاني زانيا ; لأنه مولج فرجه في فرج محرم فيقاس عليه اللائط في إثبات اسم [ ص: 182 ] الزاني حتى يدخل في عموم قوله تعالى : { حرمت الخمر لعينها الزانية والزاني } وسمي السارق سارقا ; لأنه أخذ مال الغير في خفية ، وهذه العلة موجودة في النباش فيثبت له اسم السارق قياسا حتى يدخل تحت عموم قوله تعالى : { والسارق والسارقة } وهذا غير مرضي عندنا ; لأن العرب إن عرفتنا بتوقيفها أنا وضعنا الاسم للمسكر المعتصر من العنب خاصة فوضعه لغيره تقول عليهم واختراع فلا يكون لغتهم بل يكون وضعا من جهتنا ، وإن عرفتنا أنها وضعته لكل ما يخامر العقل أو يخمره ، فكيفما كان فاسم الخمر ثابت للنبيذ بتوقيفهم لا بقياسنا ، كما أنهم عرفونا أن كل مصدر فله فاعل ، فإذا سمينا فاعل الضرب ضاربا كان ذلك عن توقيف لا عن قياس ، وإن سكتوا عن الأمرين احتمل أن يكون الخمر اسم ما يعتصر من العنب خاصة واحتمل غيره فلم نتحكم عليهم ونقول لغتهم هذا ، وقد رأيناهم يضعون الاسم لمعان ويخصصونها بالمحل كما يسمون الفرس أدهم لسواده وكميتا لحمرته ، والثوب المتلون بذلك اللون بل الآدمي المتلون بالسواد لا يسمونه بذلك الاسم ; لأنهم ما وضعوا الأدهم والكميت للأسود والأحمر بل لفرس أسود وأحمر ، وكما سموا الزجاج الذي تقر فيه المائعات قارورة أخذا من القرار ولا يسمون الكوز والحوض قارورة ، وإن قر الماء فيه .
فإذا كل ما ليس على قياس التصريف الذي عرف منهم بالتوقيف فلا سبيل إلى إثباته ووضعه بالقياس ، وقد أطنبنا في شرح هذه المسألة في كتاب أساس القياس فثبت بهذا أن اللغة وضع كلها وتوقيف ليس فيها قياس أصلا .