مسألة اختلفوا في ، اشتراط العكس في العلل الشرعية
وهذا الخلاف لا معنى له ، بل لا بد من تفصيل . وقبل التفصيل فاعلم أن العلامات الشرعية دلالات ، فإذا جاز اجتماع [ ص: 338 ] دلالات لم يكن من ضرورة انتفاء بعضها انتفاء الحكم لكنا نقول : إن لم يكن للحكم إلا علة واحدة فالعكس لازم . لا لأن انتفاء العلة يوجب انتفاء الحكم ، بل لأن الحكم لا بد له من علة ، فإذا اتحدت العلة وانتفت فلو بقي الحكم لكان ثابتا بغير سبب ، أما حيث تعددت العلة فلا يلزم انتفاء الحكم عند انتفاء بعض العلل ، بل عند انتفاء جميعها . والذي يدل على لزوم العكس عند اتحاد العلة أنا إذا قلنا : لا تثبت الشفعة للجار ; لأن ثبوتها للشريك معلل بعلة الضرر اللاحق من التزاحم على المرافق المتخذة من المطبخ والخلاء والمطرح للتراب ومصعد السطح وغيره أن يقول : هذا لا مدخل له في التأثير فإن الشفعة ثابتة في العرصة البيضاء وما لا مرافق له ، فهذا الآن عكس وهو لازم ; لأنه يقول : لو كان هذا مناطا للحكم لانتفى الحكم عند انتفائه ، فنقول : السبب فيه ضرر مزاحمة الشركة . فتقول : لو كان كذلك لثبت في شركة العبيد والحيوانات والمنقولات ، فإن قلنا : ضرر الشركة فيما يبقى ويتأبد . فيقول : فلتجز في الحمام الصغير وما لا ينقسم ، فلا يزال يؤاخذنا بالطرد والعكس وهي مؤاخذة صحيحة إلى أن نعلل بضرر مؤنة القسمة ونأتي بتمام قيود العلة بحيث يوجد الحكم بوجودها ويعدم بعدمها ، وهذا لمكان أنا أثبتنا هذه العلة بالمناسبة وشهادة الحكم لها لوروده على وفقها ، وشرط مثل هذه العلة الاتحاد وشرط الاتحاد العكس . فإن قيل : ولفظ العكس هل يراد به معنى سوى انتفاء الحكم عند انتفاء العلة ؟ قلنا : هذا هو المعنى الأشهر ، وربما أطلق على غيره بطريق التوهم ، كما يقول الحنفي : لما لم يجب القتل بصغير المثقل لم يجب بكبيره بدليل عكسه ، وهو أنه لما وجب بكبير الجارح وجب بصغيره ; وقالوا : لما سقط بزوال العقل جميع العبادات ينبغي أن يجب برجوع العقل جميع العبادات . وهذا فاسد ; لأنه لا مانع من أن يرد الشرع بوجوب القصاص بكل جارح وإن صغر ثم يخصص في المثقل بالكبير ، ولا بعد في أن يكون العقل شرطا في العبادات ثم لا يكفي مجرده للوجوب بل يستدعي شرطا آخر . فلأبي حنيفة