وأنتم تنظرون جملة في موضع الحال ومعناه بأبصاركم فيقال : إن قوله تعالى : آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم يغرقون وإلى أنفسهم ينجون ففي هذا أعظم المنة ، وقد قيل إنهم أخرجوا لهم حتى رأوهم فهذه منة بعد منة ، وقيل المعنى وأنتم تنظرون أي ببصائركم الاعتبار ؛ لأنهم كانوا في شغل عن الوقوف والنظر بالأبصار وقيل المعنى وأنتم بحال من ينظر لو نظر كما تقول : هذا الأمر منك بمرأى ومسمع ؛ أي بحال تراه وتسمعه إن شئت . وهذا القول والأول أشبه بأحوال بني إسرائيل لتوالي عدم الاعتبار فيما صدر من بني إسرائيل بعد خروجهم من البحر ، وذلك أن الله تعالى لما أنجاهم وغرق عدوهم قالوا يا موسى إن قلوبنا لا تطمئن ، إن فرعون قد غرق حتى أمر الله البحر فلفظه فنظروا إليه .
[ ص: 369 ] ذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن قيس بن عباد أن بني إسرائيل قالت ما مات فرعون ، وما كان ليموت أبدا قال فلما أن سمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام رمى به على ساحل البحر كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل فلما اطمأنوا وبعثوا من طريق البر إلى مدائن فرعون حتى نقلوا كنوزه وغرقوا في النعمة رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة حتى زجرهم موسى ، وقال أغير الله أبغيكم إلها ، وهو فضلكم على العالمين أي عالمي زمانه ثم أمرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة التي كانت مساكن آبائهم ويتطهروا من أرض فرعون وكانت الأرض المقدسة في أيدي الجبارين قد غلبوا عليها فاحتاجوا إلى دفعهم عنها بالقتال فقالوا أتريد أن تجعلنا لحمة للجبارين فلو أنك تركتنا في يد فرعون كان خيرا لنا قال ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم إلى قوله قاعدون حتى دعا عليهم وسماهم فاسقين فبقوا في التيه أربعين سنة عقوبة ثم رحمهم فمن عليهم بالسلوى وبالغمام على ما يأتي بيانه ثم سار موسى إلى طور سيناء ليجيئهم بالتوراة فاتخذوا العجل على ما يأتي بيانه ثم قيل لهم : قد وصلتم إلى بيت المقدس فادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة على ما يأتي وكان موسى عليه السلام شديد الحياء ستيرا فقالوا إنه آدر فلما اغتسل وضع على الحجر ثوبه فعدا الحجر بثوبه إلى مجالس بني إسرائيل وموسى على أثره عريان وهو يقول يا حجر ثوبي فذلك قوله تعالى يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا على ما يأتي بيانه ثم لما مات هارون قالوا له أنت قتلت هارون وحسدته حتى نزلت الملائكة بسريره وهارون ميت عليه وسيأتي في المائدة ثم سألوه أن يعلموا آية في قبول قربانهم فجعلت نار تجيء من السماء فتقبل قربانهم ثم سألوه أن بين لنا كفارات ذنوبنا في الدنيا فكان من أذنب ذنبا أصبح على بابه مكتوب ( عملت كذا وكفارته قطع عضو من أعضائك ) يسميه له ومن أصابه بول لم يطهر حتى يقرضه ويزيل جلدته من بدنه ثم بدلوا التوراة وافتروا على الله وكتبوا بأيديهم واشتروا به عرضا ثم صار أمرهم إلى أن قتلوا أنبياءهم ورسلهم . فهذه [ ص: 370 ] معاملتهم مع ربهم وسيرتهم في دينهم وسوء أخلاقهم وسيأتي بيان كل فصل من هذه الفصول مستوفى في موضعه إن شاء الله تعالى ، وقال الطبري وفي أخبار القرآن على لسان محمد عليه السلام بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في حق بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل قائم عليهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم