مسائل من أحكام الأيمان
اعلم أن الأيمان أربعة أقسام : اثنان فيهما الكفارة بلا خلاف ، واثنان مختلف فيهما .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه : : قسمان فيهما الكفارة ، وقسمان لا كفارة فيهما . خرج الأيمان في الشريعة على أربعة أقسام في " سننه " : حدثنا الدارقطني ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا خلف بن هشام عبثر عن ليث ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : الأيمان أربعة ، يمينان يكفران ، ويمينان لا يكفران . فاليمينان اللذان يكفران ، فالرجل الذي يحلف : والله لا أفعل كذا وكذا فيفعل ، والرجل يقول : والله لأفعلن كذا وكذا ، فلا يفعل . واليمينان اللذان لا يكفران ، فالرجل يحلف : والله ما فعلت كذا وكذا ، وقد فعل ، والرجل يحلف : لقد فعلت كذا وكذا ولم يفعله .
قال : وذكر ابن عبد البر في " جامعه " ، وذكره سفيان الثوري المروزي عنه أيضا ، قال سفيان : الأيمان أربعة ، يمينان يكفران ، وهو أن يقول الرجل : " والله لا [ ص: 422 ] أفعل " ثم يفعل ، أو يقول : " والله لأفعلن " ثم لا يفعل . ويمينان لا يكفران ، وهو أن يقول الرجل : " والله ما فعلت " ، وقد فعل ، أو يقول : " والله لقد فعلت " وما فعل .
قال المروزي : أما اليمينان الأوليان ، فلا اختلاف فيهما بين العلماء على ما قال سفيان ، وأما اليمينان الأخريان ، فقد اختلف أهل العلم فيهما فإن كان ، فلا إثم عليه ولا كفارة عليه في قول الحالف حلف على أنه لم يفعل كذا وكذا ، أو أنه فعل كذا وكذا عند نفسه صادقا يرى أنه على ما حلف عليه مالك ، ، وأصحاب الرأي . وسفيان الثوري
وكذلك قال أحمد وأبو عبيد ، وقال : لا إثم عليه ، وعليه الكفارة . الشافعي
قال المروزي : وليس قول في هذا بالقوي ، قال : وإن الشافعي فهو آثم ، ولا كفارة عليه في قول عامة العلماء : كان الحالف على أنه لم يفعل كذا وكذا ، وقد فعل ، متعمدا للكذب مالك ، ، وأصحاب الرأي ، وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل ، وأبي ثور وأبي عبيد .
وكان يقول : يكفر ، قال : وقد روي عن بعض التابعين مثل قول الشافعي ، قال الشافعي المروزي : أميل إلى قول مالك وأحمد ، اهـ محل الغرض من القرطبي بلفظه ، وهو حاصل تحرير المقام في حلف الإنسان " لأفعلن " أو " لا أفعل " .
وأما حلفه على وقوع أمر غير فعله ، أو عدم وقوعه ، كأن يقول : والله لقد وقع في الوجود كذا ، أو لم يقع في الوجود كذا ، فإن فهي يمين غموس ، وإن كان يعتقد وقوعه فظهر نفيه فهي من يمين اللغو كما قدمنا ، وإن كان شاكا فهو كالغموس ، وجعله بعضهم من الغموس . حلف على ماض أنه واقع ، وهو يعلم عدم وقوعه متعمدا الكذب
وإن ؟ فهو كذلك أيضا يدخل في يمين الغموس ، وأكثر العلماء على أن حلف على مستقبل لا يدري أيقع أم لا ; لأنها أعظم إثما من أن تكفرها كفارة اليمين . يمين الغموس لا تكفر
وقد قدمنا قول بالكفارة فيها ، وفيها عند المالكية تفصيل ، وهو وجوب الكفارة في غير المتعلقة بالزمن الماضي ، واعلم أن الشافعي ، فالمنعقدة على بر هي التي لا يلزم حالفها تحليل اليمين كقوله : " والله لا أفعل كذا " ، والمنعقدة على حنث ، هي التي يلزم صاحبها حل اليمين بفعل ما حلف عليه ، أو بالكفارة كقوله : " والله لأفعلن كذا " ، اليمين منقسمة أيضا إلى يمين منعقدة على بر ، ويمين منعقدة على حنث ، إلا إذا كانت موقتة بوقت فيحنث بفواته ، ولكن إن كانت بطلاق كقوله على طلاقها : " لأفعلن كذا " ، فإنه يمنع من وطئها حتى يفعل ما حلف عليه ; لأنه لا يدري أيبر في يمينه أم يحنث ؟ ولا يجوز الإقدام على فرج مشكوك فيه عند جماعة من العلماء منهم ولا يحكم بحنثه [ ص: 423 ] في المنعقدة على حنث حتى يفوت إمكان فعل ما حلف عليه مالك وأصحابه .
وقال بعض العلماء : لا يمنع من الوطء ، لأنها زوجته ، والطلاق لم يقع بالفعل ، وممن قال به أحمد .