( الفصل الثاني )
( ، لا يجعلهم مجبرين بقدرته ) أفعال الله في تصرفه وتدبيره لأمور خلقه بمقتضى سننه
قال تعالى : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ) ( 9 : 14 ) الآية .
يتوهم أهل الجبر أنها تدل على نحلتهم ، ويرده أنه تعالى أمرهم بقتال المشركين ، ولو كانوا مجبرين لكان أمرهم لغوا وعبثا . وقوله : ( يعذبهم الله بأيديكم ) معناه يعذبهم بتمكين أيديكم من رقابهم قتلا ، ومن صدورهم ونحورهم طعنا ، ويؤكده الوعد بعده بنصرهم وفي معناه [ ص: 82 ] قوله : ( ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ) ( 9 : 52 ) .
وقال تعالى في آية ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) ( 9 : 19 ) وقال في آيتي 24 و 80 : ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . وقال : ( والله لا يهدي القوم الكافرين ) ( 9 : 37 ) وليس معنى هذه الآيات أن الله تعالى منعهم من الهداية بقدرته فصاروا عاجزين عنها ومجبرين على الفسق والظلم والكفر إجبارا ، وإنما معناها ما بيناه في تفسيرها وهو : أن هذه الصفات التي رسخت في أنفسهم بكسبهم منافية لهدى الله تعالى الذي بعث به رسله بحسب سنته تعالى في الأسباب والمسببات راجع ( ص 197 و 211 و 363 و 489 في ج 10 ط الهيئة ) ويقابله قوله تعالى قبل الآية الأولى من هذه الآيات فيمن ترجى لهم الهداية بحسب سنن الله تعالى ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) ( 9 : 18 ) .
ويدخل في هذا الباب من بيان السنن وطبائع البشر قوله في خوالف المنافقين : ( وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) ( 9 : 87 ) ثم قوله فيهم : ( وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) ( 9 : 93 ) فهو بيان لسنة الله في تأثير أعمالهم التي منها رضاهم بخطة الخسف والذل . وهو التخلف عن الجهاد - أن قلوبهم كالمطبوع عليها التي لا تفقه كنه حالها ولا تعلم سوء مآلها ( ص 509 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) وفي معناه قوله في الذين ينصرفون منهم متسللين من مجلس القرآن : ( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) ( 9 : 127 ) أي بسبب أنهم قوم فقدوا صفة الفقاهة الفطرية ، وفهم الحقائق وما يترتب عليها من الأعمال ; لعدم استعمال عقولهم فيها إلى آخر ما فصلناه في تفسيرها ( في أول هذا الجزء ) .
وبهذه المرآة ترى حقيقة المراد من قوله تعالى فيهم : ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ) ( 9 : 46 ) وراجعه ( في ص 407 ج 10 ط الهيئة ) وقوله ( نسوا الله فنسيهم ) ( 9 : 67 ) وراجعه في ( ص 460 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .