الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          خلاصة البحث

                          راجع ما تقدم من الكلام على الوحي والنبوة وآيات الأنبياء عندنا وعند النصارى ، ومن الكلام في تنفيذ شبهة الوحي النفسي ، والكلام في إعجاز القرآن اللغوي والعلمي ، وما أحدثه من الانقلاب البشري من كل وجه ، ثم أضف إليها هذه العشرة الأنواع من مقاصد القرآن ، في إصلاح البشر وتكميل نوع الإنسان ، من جميع نواحي التشريع الروحي والأدبي والاجتماعي [ ص: 240 ] والمالي والسياسي ، وهي التي اشتدت حاجة الشعوب والدول في هذا العصر إليها ، موضحة بأصول وقواعد هي أصح وأكمل وأكفل للمصالح العامة ، ودفع المفاسد القديمة والطارئة ، من كل ما سبقها من تعاليم الأنبياء ، وفلسفة الحكماء ، وقوانين الملوك والحكام ، على اختلاف الأعصار ، مع العلم القطعي من تاريخ محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أميا يؤثر بطبعه عيشة العزلة ، فلم يتفق له الاطلاع على كتب الأنبياء ولا غيرها من الكتب والقوانين ، وأنه لم يعرف عنه أنه كان يبحث في شيء من العلوم ، ولا أنه نطق بشيء من مسائلها ، والعلم بأنه إنما جاء بها في هذا القرآن بعد استكمال سن الأربعين وهي سن لم يعرف في استعداد أنفس البشر ومدركات عقولهم ، ولا في تاريخهم أن صاحبها يأتنف مثلها ائتنافا لم يسبق له البدء بشيء منه في أنف عمره ، وآنفة شبابه وشرخه ، راجع هذا كله وتأمله جملة واحدة تجد عقلك مضطرا إلى الجزم بأن هذا كله فوق استعداد بشر أمي أو متعلم ، وأنه وحي من الله تعالى .

                          فإذا فرضنا أنه يحتمل أن يكون قد تسرب إلى ذهنه بعض مسائلها من أفواه عقلاء قومه ، أو غيرهم ممن لقي في أسفاره القليلة ، أو أنه فكر في حاجة البشر إلى مثلها مما أدركه بذكائه الفطري من سوء حالهم . فهل يعقل أن تكون تلك الفلتات الشاردة ، وهذه الخطرات الواردة ، تبلغ هذا الحد من التحقيق والوفاء بحاجة الأمم كلها ، وأن تظل كلها مكتومة من سن الصبا وعهد حب الظهور إلى أن تظهر في سن الكهولة ، بهذه الروعة من البيان ، وسلطان البلاغة على القلوب ، وقوة البرهان في العقول ، فتحدث هذه الثورة في الأمة العربية المغيرة لطباعها ، المبدلة لأوضاعها ، بحيث تسود بها شعوب المدنية كلها ويتلو ذلك ما قصه التاريخ من الانقلاب في العالم كله ؟ وأعجب من هذا كله أن يظهر في هذا العصر أن أمم العلم والحضارة العجيبة أشد حاجة إليها ممن قبلهم ؟ كلا إن هذا لم يعرف مثله في البشر .

                          وإذ قد ثبت هذا ؛ فالواجب على كل من بلغه من البشر أن يتبعه ويهتدي به لتكميل إنسانيته وإعدادها لسعادة الدنيا والآخرة . فإن اعترضته شبهة عليه فليبحث عنها أو لينبذها ، فما كان لعاقل ثبت عنده نفع علم الطلب أن يترك مراعاته في حفظ صحته أو مداواة مرضه لشبهة في بعض مسائله ، أو خيبة الأطباء في بعض معالجاتهم للمرضى ، وإن حاجة البشر إلى طب الأرواح والاجتماع ، لأشد من حاجتهم إلى طب الأبدان . ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) ( الأنعام 6 : 149 ) .

                          ( ( رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا ) )

                          ( ونعود إلى نسق التفسير باسم الله وحمده ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية