الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ما يرد على نبوتهم من تعريفها :

                          أما تفسير الإلهام بحلول روح الله في روح الملهم فهو تحكم للنصارى لا يعرفه ولا يعترف به أنبياء بني إسرائيل ولا علماؤهم . ولا يمكنهم إثباته ولا دفع ما يرد عليه من وقوع التعارض والتناقض والخلف فيما كتبه أولئك الملهمون وما خالفوا فيه الواقع ، وقد أشار إلى ذلك بقوله : إن فى شرح ذلك التعليم دقة وإن العلماء اختلفوا في شرحه إلخ ، ومن حل فيه روح الله صار إلها ; إذا المسيح لم يكن إلها عند النصارى إلا بهذا الحلول ، فكيف يقع في مثل ما ذكر ويتخلف وحيه أو يخالف الواقع ؟

                          وأما كلامه في النبوة فيؤخذ منه ما يأتي :

                          ( 1 ) إن أكثر أنبياء بني إسرائيل كانوا يتخرجون في مدارس خاصة بهم يتعلمون فيها تفسير شريعتهم التوراة والموسيقى والشعر ، وأنهم كانوا شعراء ومغنين وعزافين على آلات الطرب ، وبارعين في كل ما يؤثر في الأنفس ويحرك الشعور والوجدان ، ويثير رواكد الخيال ، فلا غرو أن يكون عزرا ونحميا من أعظم أنبيائهم ساقيين من سقاة الخمر لملك بابل ( أرتحششتا ) ومغنيين له ، وأن يكونا قد استعانا بتأثير غنائهما في نفسه على سماحه لهما بالعودة بقومهما إلى وطنهما وإقامة دينهما فيه .

                          فالنبوة على هذا كانت صناعة تعلم موادها في المدارس ويستعان على الإقناع بها بالتخييلات الشعرية والإلهامات الكلامية ، والمؤثرات الغنائية والموسيقية . والمعلومات المكتسبة فأين هي من نبوة محمد الأمي الذي لم يتعلم شيئا ولم يقل شعرا ، وقد جاء بأعظم مما جاءوا به كلهم ؟

                          ( 2 ) إن كثيرا من هؤلاء وأولادهم كانوا متنسكين أو طوافين على الناس يعيشون ضيوفا عند الأتقياء المحبين لرجال الدين كما هو من دراويش المتصوفة أهل [ ص: 124 ] الطرق في المسلمين ، ومن المعلوم أن هؤلاء هم الذين يقبلون من رجال التنسك كل ما يقولون ، ويسلمون لهم ما يدعون ، ويذيعون عنهم كل ما يقبلون منهم ، ومن غير هؤلاء الكثيرين من الأنبياء من نقلت عنهم كتبهم المقدسة بعض كبائر المعاصي ، وإن من أخبار الصوفية والنساك والسياح عند المسلمين من تفضل سيرتهم سيرة هؤلاء الأنبياء في كتبهم ، فكيف يصح أن يرتفع أحد منهم إلى درجة محمد - صلى الله عليه وسلم - في نشأته الفطرية ومعيشته من كسبه ، وكونه لم يكن عالة على الناس في شيء قبل النبوة ولا بعدها .

                          ( 3 ) أشهر أنواع نبوتهم الأحلام والرؤى المنامية والتخيلات المبهمة وكلها تقع لغيرهم ، وقد كانت الرؤيا الصادقة مبدأ نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل وحي التشريع الذي كان له صور أعلى منها سنبينها بعد . والرؤى : صور حسية في الخيال تذهب الآراء والأفكار في تعبيرها مذاهب شتى قلما يعرف تأويل الصادق منها غير الأنبياء كرؤيا ملك مصر التي عبرها يوسف عليه السلام ، ورؤياه هو في صغره .

                          ( 4 ) إن نبوة الإخبار عن الأمور المستقبلة وهي التي يستدلون بها على كونهم مخبرين عن الله تعالى كانت أحيانا كثيرة بدون تمييز أزمنتها ولا حوادثها : فكان بعضها يختلط ببعض فلا يكاد يظهر المراد منها إلا بعد حملها على شيء واضح بعد وقوعه كما يعهد في كل عصر من أخبار العرافين والمنجمين ، بله الروحانيين المكاشفين ، ومنها ما ظهر خلافه كما أشار إليه ولم يشرحه ولكن التاريخ شرحه . وكان أعظم نبوات هؤلاء الأنبياء إخبارهم عن المسيح ( مسيا ) وملك إسرائيل ثم إخبار المسيح نفسه عن خراب العالم ومجيء الملكوت لأجل دينونية العالم ، وأنه لا ينقضي الجيل الذي خاطبه حتى يكون ذلك كله . وقد مر أجيال كثيرة ولم يكن من ذلك شيء .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية