[ ص: 88 ] ( الفصل الثاني )
( في علو مكانته وعناية الله تعالى به وتكريمه وتأديبه وتكميله إياه )
( وفيه إحدى عشرة منقبة بالإجمال وأضعاف ذلك بالتفصيل )
( المنقبة الأولى ) جعل وإرضائه مقرونة في المرتبة والثناء والثواب بما له عز وجل من ذلك على عباده ، وجعل ما يقابل ذلك من الكفر به وعصيانه وبغضه وإغضابه وإيذائه مقرونة في الحظر والكفر والوعيد واستحقاق العذاب الأليم بالكفر بالله وعصيانه إلخ . وتجد ما في السورة من الأمرين مفصلا في الفصل الأول الذي قبل هذا ، فهي بضع عشرة لا منقبة واحدة . الإيمان به وطاعته وحبه
( الثانية ) إنزال الله سكينته عليه ، وتأييده بجنوده من الملائكة في يوم حنين حين انهزم المؤمنون وولوا مدبرين كما هو مبين في الآيتين 25 و 26 ( ويراجع تفسيرهما في ص 217 - 221 ج 10 ط الهيئة ) .
( الثالثة ) ، ومعيته الخاصة لهما ، وإنزال سكينته عليهما ، وتأييدهما بجنوده من الملائكة ، وفيها عدة مناقب كما تراه في آية الغار ( 40 ) وتفسيرها البديع ( في ص 368 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) . نصر الله له عند خروجه للهجرة مع صاحبه الصديق
( الرابعة ) إتمام الله تعالى نوره به كما تراه في الآية 32 وقال بعض المفسرين إنه هو - صلى الله عليه وسلم - نور الله المراد من الآية ، فانظر تفسيرها ( ص 333 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .
( الخامسة ) قوله تعالى بعدها ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) ( 9 : 33 ) الآية . وهي مشتملة على عدة مناقب . فانظر تفسيرها ( في ص 338 - 343 ج 10 ط الهيئة ) .
( السادسة ) قوله تعالى له ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) ( 9 : 43 ) الآية . وفيها من لطفه تعالى به وتكريمه إياه أن أعلمه بعفوه عنه قبل إعلامه بخطأ الاجتهاد في إذنه لبعض المنافقين بالتخلف عن الخروج معه إلى تبوك ، وتجد في تفسيرها تحقيق الكلام في ذنوب الأنبياء عليهم السلام ( ص 401 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .
( السابعة ) إعلامه تعالى إياه بأن استغفاره للمشركين وعدمه سيان في جانب حكم الله فيهم ، وهو أنه لا يغفر للمصرين على نفاقهم . وذلك في الآية ( 80 ) وهذا تقييد لنفع الدعاء والشفاعة .
[ ص: 89 ] ( الثامنة ) إعلامه تعالى بأنه ليس من شأن النبي - من حيث هو نبي - ولا من شأن المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى بعد العلم بموتهم على كفرهم بعد أن فعلوا ذلك . وهذا نص الآية 113 وهي إرشاد من الله لهم فيما يجب أن يقفوا عنده من مودة القرابة والنسب ( راجع تفسير الآية بأول هذا الجزء ) .
( التاسعة ) نهيه تعالى إياه عن الصلاة على المنافقين أو القيام على قبورهم عند الدفن بعد صلاته على زعيمهم الأكبر الأكفر عبد الله بن أبي ابن سلول والقيام على قبره عند دفنه تكريما لنجله المؤمن الصادق ، وتأليفا لقومه - وكان أكثر المنافقين منهم - وهذا النهي يتضمن الإنكار والتأديب والحد الذي يجب الوقوف عنده في معاملة المنافقين ، وسيأتي تفصيله .
( العاشرة ) نهيه عن الإعجاب بأموالهم وأولادهم ، وإعلامه بأن الله يعذبهم في الدنيا قبل الآخرة ، وهو في الآيتين 55 و 58 على القول بأن الخطاب فيهما له - صلى الله عليه وسلم - ويجوز أن يكون عاما لكل من يسمع القرآن أو يقرؤه ، وهو على كل تقدير تأديب من الله تعالى وتكميل للنبي والمؤمنين بالسمو بأنفسهم عن تعظيم شأن قوة الأموال وعزة الأولاد . وزينتهما يكونان للمحرومين من قوة الإيمان وعزته ، وهما اللتان لا يعلوهما شيء - وتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون من أن النعم الصورية الدنيوية لا تتم لأهلها النعمة بها إلا باطمئنان القلوب بنعمة الإيمان ، وتزكي الأنفس بأعمال الإسلام ، وأن السعادة الحقيقية إنما هي سعادة النفس بالعلم والعرفان وعلو الأخلاق ، ومن متمماتها الدنيوية كثرة الأموال والأولاد ، وأن هؤلاء المنافقين بفقدهم لهذه النعم الباطنة ، لا سعادة لهم بتلك النعم الظاهرة ، وإنما هي منغصات لهم في الدنيا نفسها بما بيناه في تفسير الآيتين ( في ص 418 و 495 ج 10 ط الهيئة ) .
( الحادية عشرة ) توبته تعالى عليه وعلى خيار أصحابه المؤمنين ، وهذا منتهى التطهير والتزكية لهم من ربهم عز وجل في إثر غزوة تبوك التي أرهقوا فيها أشد العسر ، وقاسوا أعظم الجهد ، من الجوع والظمأ والنصب ، ومفارقة موسم الرطب ، في شدة الحر ، وقلة الزاد والظهر ، ( الرواحل ) فكان لا بد أن يعرض لهم بعض الهفوات الجديرة برأفة الله ورحمته في جانب تلك الحسنات ، التي أشير إلى مضاعفة أجرها فيما يلي الإخبار بالتوبة عليهم من الآيات ، وهو قوله عز وجل ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ) ( 9 : 117 ) ثم ذكر فيما يليها توبته على الذين خلفوا من هؤلاء الصادقين عن تبوك بغير عذر ( حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ) ( 9 : 118 ) إلخ .
والتوبة من العبد إلى ربه هي رجوعه إليه عن كل ما لا يرضيه وتحريه ما يرضيه ، وهي [ ص: 90 ] تختلف باختلاف حال التائبين فيما يتوبون عنه حتى إن منهم من يتوب إليه ويستغفره من الغفلة ، ومن التقصير في استكمال الجهد في الطاعة .
وأما التوبة من الرب على عبده فهي قبول توبته ، والتجاوز عن ذنبه أو هفوته ، أو عن تقصيره في عبادته ، والخطأ في الاجتهاد في إقامة سننه ، وتنفيذ شريعته - وعطفه عليه بما يكون مزيد كمال في إعلاء درجته ; ولذلك قال بعض المحققين : إن التوبة هي أول درجات الطاعة والمعرفة وهي آخر درجات الكمال في الإيمان وثمراته ، وإنها كالطهارة في الصلاة لا بد من استمرارها من أول سن التكليف إلى آخرها .