( - ) درس علماء الإفرنج للسيرة المحمدية وشهادتهم بصدقه - صلى الله عليه وسلم
درس علماء الإفرنج تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده على طريقتهم في النقد والتحليل ، ودرسوا السيرة النبوية المحمدية وفلوها فليا ونقشوها بالمناقيش ، وقرءوا القرآن بلغته وقرءوا ما ترجمه به أقوامهم ، وكانوا على علم محيط بكتب العهدين القديم والجديد ، وتاريخ الأديان ولا سيما الديانتين اليهودية والنصرانية ، وبما كتبه المتعصبون للكنيسة من الافتراء على الإسلام والنبي والقرآن مما أشرنا إلى بعضه آنفا ، فخرجوا من هذه الدروس كلها بالنتيجة الآتية :
( إن محمدا كان سليم الفطرة ، كامل العقل ، كريم الأخلاق ، صادق الحديث ، عفيف النفس ، قنوعا بالقليل من الرزق ، غير طموع بالمال ولا جنوح إلى الملك ، ولا يعنى بما كان يعنى به قومه من الفخر ، والمباراة في تحبير الخطب وقرض الشعر ، وكان يمقت ما كانوا عليه من الشرك وخرافات الوثنية ، ويحتقر ما يتنافسون فيه من الشهوات البهيمية ، كالخمر والميسر وأكل أموال الناس بالباطل ، وبهذا كله وبما ثبت من سيرته ويقينه بعد النبوة جزموا بأنه كان صادقا فيما ادعاه بعد استكمال الأربعين من سنه من رؤية ملك الوحي ، وإقرائه إياه هذا القرآن ، وإنبائه بأنه رسول من الله لهداية قومه فسائر الناس ) .
وزادهم ثقة بصدقه أن كان أول الناس إيمانا به واهتداء بنبوته أعلمهم بدخيلة أمره ، وأولهم زوجه المشهورة بالعقل والنبل والفضيلة ، ومولاه خديجة الذي اختار أن يكون عبدا له على أن يلحق بوالده وأهل بيته ويكون معهم حرا ، ثم إن كان الذين آمنوا به من أعظم العرب حرية واستقلالا في الرأي ولا سيما زيد بن حارثة أبي بكر وعمر .
فأما المؤمنون بالله وملائكته وبأن للبشر أرواحا خالدة من هؤلاء الإفرنج فقد آمنوا بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - على علم وبرهان ، وهم يزيدون عاما بعد عام ، بقدر ما يتاح لهم من العلم بالإسلام ، وأما الماديون فلم يكن لهم بد من تفسير لهذه الحادثة أو الظاهرة التي [ ص: 135 ] لا ريب في صحتها وثبوتها ، وبتصويرها بالصورة التي يقبلها العقل ، الذي لا يؤمن بما وراء المادة أو الطبيعة من عالم الغيب .
قدحوا زناد الفكر ، واستوروا به نظريات الفلسفة ، فلاح لهم منه سقط أبصروا في ضوئه الضئيل الصورة الخيالية التي أجملها الأستاذ مونتيه في عبارته التي نقلناها عنه آنفا وفصلها إميل درمنغام وغيره بما نشرحه هاهنا .