فصل .
[ الفرق بين الكناية والتعريض ] .
للناس في
nindex.php?page=treesubj&link=21038_21039الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له ، والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره .
وقال
ابن الأثير : الكناية ما دل على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز ، بوصف جامع بينهما . والتعريض : اللفظ الدال على معنى ، لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي ، كقول من يتوقع صلة : والله إني محتاج ، فإنه تعريض بالطلب مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا ، وإنما فهم من عرض اللفظ ؛ أي : جانبه .
وقال
السبكي في كتاب " الإغريض في الكناية والتعريض " : الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى ، فهي بحسب استعمال اللفظ في المعنى حقيقة ، والتجوز في إرادة إفادة ما لم يوضع له ، وقد لا يراد بها المعنى بل يعبر بالملزوم عن اللازم ، وهي حينئذ مجاز .
ومن أمثلته :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قل نار جهنم أشد حرا [ التوبة : 81 ] ، فإنه لم يقصد إفادة ذلك لأنه معلوم ، بل إفادة لازمه ، وهو أنهم يردونها ويجدون حرها إن لم يجاهدوا .
وأما التعريض فهو لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بل فعله كبيرهم هذا [ الأنبياء : 93 ] ،
[ ص: 63 ] نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة ، كأنه غضب أن تعبد الصغار معه تلويحا لعابدها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز كبيرها عن ذلك الفعل ، والإله لا يكون عاجزا ، فهو حقيقة أبدا .
وقال
السكاكي : التعريض ما سيق لأجل موصوف غير مذكور .
ومنه أن يخاطب واحد ويراد غيره ، وسمي به لأنه أميل الكلام إلى جانب مشارا به إلى آخر .
يقال : نظر إليه بعرض وجهه ؛ أي : جانبه .
قال
الطيبي : وذلك يفعل إما لتنويه جانب الموصوف ، ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253ورفع بعضهم درجات [ البقرة : 253 ] ؛ أي :
محمدا صلى الله عليه وسلم إعلاء لقدره ؛ أي : أنه العلم الذي لا يشتبه .
وإما لتلطف به واحتراز عن المخاشنة ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وما لي لا أعبد الذي فطرني [ يس : 22 ] ؛ أي : ومالكم لا تعبدون بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وإليه ترجعون [ يس : 22 ] ، وكذا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ من دونه آلهة [ يس : 23 ] ، ووجه حسنه إسماع من يقصد خطابه الحق على وجه يمنع غضبه إذ لم يصرح بنسبيته لباطل والإعانة على قبوله إذ لم يرد له إلا ما أراده لنفسه .
وإما لاستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم ، ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لئن أشركت ليحبطن عملك [ الزمر : 65 ] ، خوطب النبي صلى الله عليه وسلم وأريد غيره لاستحالة الشرك عليه شرعا .
وإما للذم ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19إنما يتذكر أولو الألباب [ الرعد : 19 ] ، فإنه تعريض لذم الكفار ، وإنهم في حكم البهائم الذين لا يتذكرون .
وإما للإهانة والتوبيخ ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت [ التكوير : 8 ، 9 ] ، فإن سؤالها لإهانة قاتلها وتوبيخه .
وقال
السبكي :
nindex.php?page=treesubj&link=21039التعريض قسمان : قسم يراد به معناه الحقيقي ، ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود كما تقدم .
وقسم لا يراد ، بل يضرب مثلا للمعنى الذي هو مقصود التعريض كقول إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بل فعله كبيرهم هذا [ الأنبياء : 63 ] .
فَصْلٌ .
[ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ ] .
لِلنَّاسِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21038_21039الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ عِبَارَاتٌ مُتَقَارِبَةٌ : فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْكِنَايَةُ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ ، وَالتَّعْرِيضُ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا تَدُلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ تَذْكُرْهُ .
وَقَالَ
ابْنُ الْأَثِيرِ : الْكِنَايَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ، بِوَصْفٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا . وَالتَّعْرِيضُ : اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى ، لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ أَوِ الْمَجَازِيِّ ، كَقَوْلِ مَنْ يَتَوَقَّعُ صِلَةً : وَاللَّهِ إِنِّي مُحْتَاجٌ ، فَإِنَّهُ تَعْرِيضٌ بِالطَّلَبِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا ، وَإِنَّمَا فُهِمْ مِنْ عَرْضِ اللَّفْظِ ؛ أَيْ : جَانِبِهِ .
وَقَالَ
السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِغْرِيضُ فِي الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ " : الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمَ الْمَعْنَى ، فَهِيَ بِحَسَبِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى حَقِيقَةً ، وَالتَّجَوُّزُ فِي إِرَادَةِ إِفَادَةِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ، وَقَدْ لَا يُرَادُ بِهَا الْمَعْنَى بَلْ يُعَبَّرُ بِالْمَلْزُومِ عَنِ اللَّازِمِ ، وَهِيَ حِينَئِذٍ مَجَازٌ .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [ التَّوْبَةِ : 81 ] ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِفَادَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ ، بَلْ إِفَادَةَ لَازِمِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَرِدُونَهَا وَيَجِدُونَ حَرَّهَا إِنْ لَمْ يُجَاهِدُوا .
وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فَهُوَ لَفْظٌ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِلتَّلْوِيحِ بِغَيْرِهِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [ الِأَنِبِيَاءِ : 93 ] ،
[ ص: 63 ] نَسَبَ الْفِعْلَ إِلَى كَبِيرِ الْأَصْنَامِ الْمُتَّخَذَةِ آلِهَةً ، كَأَنَّهُ غَضِبَ أَنْ تُعْبَدَ الصِّغَارُ مَعَهُ تَلْوِيحًا لِعَابِدِهَا بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ آلِهَةً لِمَا يَعْلَمُونَ إِذَا نَظَرُوا بِعُقُولِهِمْ مِنْ عَجْزِ كَبِيرِهَا عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَبَدًا .
وَقَالَ
السَّكَّاكِيُّ : التَّعْرِيضُ مَا سِيقَ لِأَجْلِ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ .
وَمِنْهُ أَنْ يُخَاطَبَ وَاحِدٌ وَيُرَادَ غَيْرُهُ ، وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أَمْيَلُ الْكَلَامِ إِلَى جَانِبٍ مُشَارًا بِهِ إِلَى آخَرَ .
يُقَالُ : نَظَرَ إِلَيْهِ بِعُرْضِ وَجْهِهِ ؛ أَيْ : جَانِبِهِ .
قَالَ
الطِّيبِيُّ : وَذَلِكَ يُفْعَلُ إِمَّا لِتَنْوِيهِ جَانِبَ الْمَوْصُوفِ ، وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [ الْبَقَرَةِ : 253 ] ؛ أَيْ :
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْلَاءً لِقَدْرِهِ ؛ أَيْ : أَنَّهُ الْعَلَمُ الَّذِي لَا يَشْتَبِهُ .
وَإِمَّا لِتَلَطُّفٍ بِهِ وَاحْتِرَازٍ عَنِ الْمُخَاشَنَةِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [ يس : 22 ] ؛ أَيْ : وَمَالَكُمْ لَا تَعْبُدُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ يس : 22 ] ، وَكَذَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [ يس : 23 ] ، وَوَجْهُ حُسْنِهِ إِسْمَاعُ مَنْ يَقْصِدُ خِطَابَهُ الْحَقَّ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ غَضَبَهُ إِذْ لَمْ يُصَرِّحُ بِنِسْبِيَّتِهِ لِبَاطِلٍ وَالْإِعَانَةُ عَلَى قَبُولِهِ إِذْ لَمْ يُرِدْ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ لِنَفْسِهِ .
وَإِمَّا لِاسْتِدْرَاجِ الْخَصْمِ إِلَى الْإِذْعَانِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ الزُّمَرِ : 65 ] ، خُوطِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُرِيدَ غَيْرُهُ لِاسْتِحَالَةِ الشِّرْكِ عَلَيْهِ شَرْعًا .
وَإِمَّا لِلذَّمِّ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [ الرَّعْدِ : 19 ] ، فَإِنَّهُ تَعْرِيضٌ لِذَمِّ الْكُفَّارِ ، وَإِنَّهُمْ فِي حُكْمِ الْبَهَائِمِ الَّذِينَ لَا يَتَذَكَّرُونَ .
وَإِمَّا لِلْإِهَانَةِ وَالتَّوْبِيخِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [ التَّكْوِيرِ : 8 ، 9 ] ، فَإِنَّ سُؤَالَهَا لِإِهَانَةِ قَاتِلِهَا وَتَوْبِيخِهِ .
وَقَالَ
السُّبْكِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=21039التَّعْرِيضُ قِسْمَانِ : قِسْمٌ يُرَادُ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ ، وَيُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ الْمَقْصُودِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقِسْمٌ لَا يُرَادُ ، بَلْ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ التَّعْرِيضِ كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [ الْأَنْبِيَاءِ : 63 ] .