[ ص: 19 ] ونعرض للكلام في القذف فنقول : هو معنى يراعى في الإحصان ، فوجب أن يكون منه ما يعتبر في القتل كالزنا ، ولم يتصور القتل إلا في حقه عليه السلام ; لأن الحرمة لها مدخل في القذف ; لأن قاذف العبد لا يحد ، وحرمته - عليه السلام - لا تساوي حرمة أمته ، فيكون حدها القتل .
احتجوا بأن حرمة الله أعظم ، وتوبته تقبل ، ولأنه لا يزيد على الردة ، والتوبة تسقط حدها ، وفي الصحيح قال بعض اليهود له - عليه السلام - ( السام عليك ) ولم يقتله ، ولم يقتل اليهودية التي سمت الشاة .
الجواب عن الأول : أنا نلتزم التسوية ، أو نفرق بأن البشر قابل للنقص ، فكان التأثير فيه أعظم ، وذلك أن الله تعالى أظهر المعجزة على يد مدعي الربوبية كالدجال ، ولم يظهرها على يد مدعي النبوة ; لأن العقل يبطل الأول دون الثاني ; ولأن حق الله تعالى يسقط بالتوبة كالكفر ، وحقوق العباد لا تسقط بها كالقذف والمال ، وهو الجواب عن الثاني ، فإنه حق الله تعالى وهو كالقذف والردة ، مفسدتهما خاصة بالمرتد ، ومفسدة هذا تتعدى للأمة ، ويجوز إقرار الذمي بالجزية على سب المعبود ، بخلاف الأنبياء .
والجواب عن الثالث : أنه لم ينقل في الخبر أنهم أهل عهد ، فلا يتم الدليل ، أو كان في أول الإسلام حيث كانت الموادعة مشروعة ، وهو الجواب عن الرابع ، مع [ ص: 20 ] أنه روي أنها قتلت ، وإن قلنا : قتله كفر ; لم تقبل التوبة من المسلم ; لأنها لا تعرف .
تفريع : قال أصبغ : لورثته إن كان مستترا ، أو مظهرا فللمسلمين . قال ميراثه ابن القاسم ومالك : لا يقتل الساب الكافر إلا أن يسلم . قال : لا يقال له : أسلم ، ولكن إن أسلم فذلك توبته . قال سحنون ابن القاسم : إن شتم الأنبياء أو أحدا منهم ، أو نقصه قتل ولم يستتب ، ( لا نفرق بين أحد منهم ) قال مالك : إن قال الكافر : ( مسكين محمد يخبركم أنكم في الجنة فهو الآن في الجنة ، فماله لم يغن عن نفسه حين كانت الكلاب تأكل ساقيه ) . قال : لو قتلوه استراحوا منه ، وأرى أن تضرب عنقه ، والفرق بين ، توبة المسلم لا تقبل بخلاف الكافر : أن قتل المسلم حد ; وهو زنديق لا تعرف توبته ، والكافر كان على كفره فيعتبر إسلامه ، ولا يجعل سبه من جملة كفره ; لأنا لا نعطيهم العهد على ذلك ، ولا على قتلنا وأخذ أموالنا ، ولو قتل أحدنا قتلناه ، وإن كان من دينه استحلاله .
قال : ولو سحنون - عليهم السلام - لم نقبله ، وحل لنا دمه ، فكذلك يحل دمه بالسب الطارئ ، ويسقط القتل عنه في السب بإسلامه ، ولا يسقط القتل بقتلنا : لأن حق الآدمي لا يسقط بالتوبة . قال بذل الحربي الجزية على إظهار السب للأنبياء مالك : إن قال : رداء النبي - عليه السلام - وسخ ، يريد عيبه ; قتل ، وإن عير بالفقر فقال : يعيرون بالفقر وقد رعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغنم ; يؤدب ; لأنه عرض [ ص: 21 ] بذكره - عليه السلام - في غير موضعه ، ولا ينبغي إذا عوقب أهل الذنوب أن يقول : قد أخطأت الأنبياء قبلنا : وقال : انظروا لنا كاتبا يكون أبوه عربيا ، فقال كاتبه : قد كان أبو النبي - صلى الله عليه وسلم - كافرا ، فقال له : جعلته - عليه السلام - مثلا ، لا تكتب لي أبدا . عمر بن عبد العزيز
قال : إن سحنون محمد ، فقال الطالب : لا صلى الله على من صلى عليه ، هل هو كمن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الملائكة الذين يصلون عليه ؟ قال : لا إذا كان على وجه الغضب ( والضيق ; لأنه لم يكن مصرا على السب ، بل تكلم على وجه ) . قال خاصمته ، فأغضبته فقال : صلى الله على أصبغ : لا يقتل ; لأنه إنما شتم الناس ، وقال الحارث : يقتل ، كسب الأنبياء ، وعن وسب الملائكة ابن القاسم في الكتابي أو المجوسي يقول : إن محمدا لم يرسل إلينا ، بل إنما أرسل إليكم ، وإنما نبينا موسى أو عيسى ، أولم يرسل ، أولم ينـزل عليه قرآن وإنما هو شيء يقوله ، ونحو هذا ; يقتل . قال مالك : إن ناديته فأجابك : لبيك اللهم لبيك ، جاهلا ، لا شيء عليه .
قال : سحنون محمد ، ولا يصلي على النبي - عليه السلام - إلا على وجه التقرب . يكره قولك عند التعجب : صلى الله على النبي
قال ابن القاسم : إن ، أو سمع المؤذن يقول : أشهد أن قال ديننا خير من دينكم ، إنما دينكم دين الحمير محمدا رسول الله ، فقال : كذلك يعظكم الله ، فيه الأدب الوجيع ، والسجن الطويل ، وإن سب فقتلته غيظا وثبت أن قوله يوجب القتل ، فلا شيء عليك ، وإلا فعليك ديته وضرب مائة وحبس سنة ، وإن معاوية أو غيره ، فإن نسبه للضلال والكفر ; قتل ، أو غير ذلك من [ ص: 22 ] مسافهة الناس نكل نكالا شديدا ، وإن سب أحد جبريل عليه السلام أخطأ في الوصي ، استتيب ، فإن تاب وإلا قتل ، وقيل : من كفر صحابيا أوجع ضربا ، وعن قال : إن : إن كفر سحنون أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ، قتل ، وينكل في غيرهم . قال القاضي في الشفا : من سبه - عليه السلام أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله ، أو عرض به أو شبهه بشيء على وجه السب أو الازدراء أو التصغير لشأنه أو الغض منه ، يقتل كالساب . ويستوي التصريح والتلويح ، وكذلك من دعا عليه أو تمنى مضرة له ، وكذلك إن نسب لـه سجعا ، أو هجرا من القول ، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء ، وبشيء من العوارض البشرية المعهودة لديه . وهذا كله مجمع عليه من الصحابة وغيرهم ، وعن : يخير الإمام في الساب المسلم في صلبه حيا ، أو قتله . ويقتل من قال : هو يتيم ابن كنانة أبي طالب ، أو كان أسود . وإن قيل لرجل : لا وحق رسول الله ، فقال : فعل الله برسول الله كذا وكذا ، وذكر كلاما قبيحا ، فقيل له : ما تقول يا عدو الله ؟ فقال أشد من الأول ، وقال : أردت برسول الله العقرب ، فقال ابن أبي سليمان صاحب : يقتل ولا يقبل التأويل لصراحة اللفظ ، وأفتى سحنون ابن عتاب في عقاب عشار قال لرجل : أد واشك للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : إن جهلت فقد جهل بالقتل ، وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه وصلبه لتسميته - عليه السلام - في أثناء المناظرة باليتيم ، وختن حيدرة ، وزعم أنه لم يكن قصدا .
قال : من قال إنه - عليه السلام - هرم ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل ; لأنه نقص [ ص: 23 ] لا يجوز عليه في خاصته ; لأنه على بصيرة من أمره ، ويقتل من نقصه بسهو أو سحر أو هزيمة بعض جيوشه ، أو شدة من زمانه ، أو ميل لبعض نسائه ، ومن لم يقصد الازدراء ولا يعتقده في تكلمه بالسب أو اللعن أو التكذيب أو إضافة ما لا يجوز عليه أو نفي ما يجب له مما هو نقص في حقه ، وظهر عدم تعمده وقصد السب : إما لجهالة ، أو لضجر ، أو سكر ، أو قلة ضبط لسان وتهور في كلامه ، فإنه يقتل ولا يعذر أحد في الكفر بالجهالة ولا غيرها وهو سليم العقل إلا للإكراه ، وبه أفتى الأندلسيون في ابن المرابط علي بن حاتم في نفيه الزهد عنه - عليه السلام - وقاله ابن أبي زيد وابن سحنون ، ونظر إلى أن السكران إنما ينطق بما يعتقده صاحيا ، ولأنه حد لا يسقطه السكر كالقذف والقتل وجميع الحدود ، وأما القاصد لذلك المصرح فأشبه بالمرتد ، ويقوى الخلاف في استتابته ، أو مستترا فهو كالزنديق لا تسقط قتله التوبة ، ومن وأبو الحسن القابسي . قال تنبأ وزعم أنه يوحى إليه ابن القاسم : هو مرتد لكفره بقوله تعالى : ( وخاتم النبيين ) . قال أشهب : فإن كان ذميا استتيب إن أعلن ذلك ، فإن تاب وإلا قتل . وقال : من شك في حرف مما جاء به ابن سحنون محمد - صلى الله عليه وسلم - عن الله ; فهو كافر .
قال أحمد بن أبي سليمان : من ، قتل ; لأن ذلك نفي له ، وتبديل صفته وموضعه كفر ، واللفظ المجمل الذي يمكن حمله على النبي - عليه السلام - وعلى غيره ، ويتردد في حال المطلق : هل أراده مكرها أم لا ؟ فقيل : يقتل رعاية لحماه - عليه السلام - وقيل : لا يقتل حماية للدم ، وقال قال إنه - عليه السلام - مات قبل أن يلتحي ، وأنه كان بتاهرت فيمن أغضبه غريمه فقال له : صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا صلى الله على من صلى عليه ، ليس كالساب ; لأجل الغضب ، ولم يتضمن كلامه الشتم ; لأنه إنما شتم الناس دون [ ص: 24 ] الملائكة ، بل مخاطبه فقط . وقال سحنون وغيره : يقتل ، وتوقف الحارث بن مسكين القابسي في القائل : كل صاحب فندق قرنان ولو كان نبيا مرسلا ، وشده بالقيود حتى يستفهم البينة عما يدل على مقصده هل أراد أصحاب الفنادق الآن ، فليس فيهم نبي ، فيكون أمره أخف لكن ظاهر لفظه العموم ، وفي متقدمي الأنبياء - عليهم السلام - من اكتسب المال فوقع التردد . وقال ابن أبي زيد في القائل : لعن الله العرب ، ولعن بني إسرائيل ، ولعن الله بني آدم ، وقال : إنما أردت الظالمين منهم ، يؤدب باجتهاد السلطان .
وقال : لم أعلم من حرمه ، لا ، ومن قال : لا يبع حاضر لباد ، إن عذر بالجهل أدب الأدب الوجيع ، كأنه أراد من حرمه من الناس ، وكذلك يا ابن ألف خنزير - مع أنه يدخل في هذا العدد جماعة من أبائه - أساء ، فيزجر عنه ، وإن علم قصده الأنبياء قتل ، وقد يضيق القول لو قال لهاشمي : لعن الله قال : وكذلك لعن الله من حرم المسكر بني هاشم ، ولمن قال له : أتتهمني ؟ فقال : الأنبياء يتهمون فكيف أنت ، قال أبو إسحاق : يقتل لبشاعة ظاهر اللفظ ، وتوقف ابن منظور لاحتمال أن يكون خبرا عمن اتهمهم من الكفار ، فأطال القاضي تصفيده واستحلفه بعد ذلك على تكذيب ما شهد به عليه وأطلقه ، فإن لم يذكر نقصا ولا عيبا ، بل ذكر بعض أحواله - عليه السلام - حجة ومثلا لنفسه وغيره لبعض حاله على طريق التأسي ، بل لرفع نفسه قصد الهزل ، كقوله : إن قيل في المكروه فقد قيل في النبي - عليه السلام - فإن أذنبت فقد أذنب ، وكيف أسلم من الألسنة ، ولم يسلم الأنبياء ، وقد صبرت كما صبر النبي ، وصبر النبي أكثر مني ، وكقول : [ ص: 25 ] المتنبي
أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود
وقول : المعريكنت موسى وافته بنت شعيب غير أن ليس فيكما من فقير
هو مثله في الفضل إلا أنه لم يأته برسالة جبريل
فر من الخلد واستجار بنار فصبر الله فؤاد رضوان
كأن أبا بكر أبو بكر الرضا وحسان حسان ، وأنت محمد
فإن يك باقي سحر فرعون فيكم فإن عصا موسى بكف خضيب
كيف لا يدنيك من أمل من رسول الله من نفره
ومشهور المذهب : . ولا تقبل توبة الزنديق على المشهور خلافا قتل الساب حدا لا كفرا لا تسقطه التوبة ، ووافقنا للشافعي ، وعند ( ح ) خلاف . والساب المعتقد حله كافر اتفاقا . وكذلك إن كان السب كفرا . [ ص: 27 ] كالتكذيب ، ويقتل - وإن تاب - حدا ، فإن لم تتم الشهادة على الساب ، بل شهد الواحد أو لفيف الناس ، أو ثبت قوله إلا أنه يحتمل ، أو تاب على القول بقبول توبته ، فيعزر بقدر حاله وقوة الشهادة من التضييق في السجن وشدة القيود إلى غاية انتهاء طاقته بحيث لا يمنعه القيام لضرورته وصلاته ، فإن أثبت عداوة البينة وهي غير مبرزة ، وهو غير متهم ، فلا يعرض له ، وإلا اجتهد في تنكيله . ومن سب النبي بغير ما به كفر قتل ، ووقع لأصحابنا كلام وظواهر ظاهرها أن يجري الخلاف فيما به كفر ، أنه يقتل ، ومذهب ابن حنبل ابن القاسم لا يقتل ، وإن أسلم قبل سقط القتل ; لأن الإسلام يجب ما قبله ، وقيل : لا لأن حق الآدمي لا يسقط بالتأويل بالتوبة ، واختلف في القائل : لقيت في مرضي ما لو قتلت أبا بكر لم أستوجبه ، قيل : يقتل ; لأنه نسب الله تعالى إلى الجور ، وقيل : يبالغ في تنكيله ; لأن مقصوده الشكوى لا السب .
وأكثر قول مالك وأصحابه والأشعري عدم ، وإنما قال تكفير أهل الأهواء مالك إن تابوا وإلا قتلوا ; لأنه من الفساد في الأرض ، وجمهور السلف على تكفيرهم ، نظرا إلى أنهم إنما قصدوا التعظيم مع الاعتراف بالرسالة ، والتنقيص لازم لمذهبهم ، ولا خلاف في ، أو عبد مع الله غيره ، أو هو دهري ، أو مانوي ، أو صابئ أو حلولي ، أو تناسخي ، أو من تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية الروافض ، أو اعتقد أن الله غير حي أو قديم أو مصور أو صنع العالم غيره ، أو هو متولد من شيء ، أو ادعى مجالسة الله تعالى أو العروج إليه ومكالمته ، أو قال بقدم العالم أو بقائه أو شك في ذلك ، أو قال بنبوة علي ، أو جوز على الأنبياء الكذب ، وأنهم خاطبوا الخلق بالوعد والوعيد [ ص: 28 ] للمصلحة ، أو قال : في كل جنس من الحيوان نذير ، فإن فيه تجويز اتصافه بوصف الكلية ونحوها محتجا بقوله تعالى : ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) أو قال بتخصيص الرسالة للعرب ، أو جوز اكتساب النبوة ، أو أنه يوحى إليه أو يصعد السماء ، أو يدخل الجنة أو يأكل من ثمارها ، أو قال بإبطال الرجم وغيره من ضروريات الدين ، أو كفر جميع الصحابة ; لأنه يؤدي إلى بطلان الدين ، أو يسعى للكنائس بزي النصارى ، أو قال بأن الصلاة طرفي النهار ، أو قال بسقوط العبادة عن بعض الأولياء ، أو أنكر مكة أو البيت أو المسجد الحرام ، أو قال : الاستقبال حق ولكن لغير هذه البقعة ، أو شك في ذلك - وهو ممن يظن به علم ذلك - أو يخالط المسلمين ، بخلاف حديث الإسلام ، أو جحد صفة الحج أو الصلوات ، أو جحد حرفا من القرآن أو زاده أو غيره ، أو قال ليس بمعجزة ، أو قال الثواب والعقاب معهودان ، وكذلك القائل الأئمة أفضل من الأنبياء .
وأما من تبوك ، أو وجود أنكر ما لا يتعلق بالدين ، كغزوة أبي بكر وعمر ، لا يكفر إلا أن ينكر ذلك لتوهين نقل المسلمين أجمع ، فيكفر ، وأما إنكاره الإجماع المجرد الذي ليس طريقه التواتر عند التنازع ، فأكثر المسلمين من الفقهاء والنظار على تكفيره ; لمخالفة الإجماع الجامع للشرائط .