الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الخامس ، سلامته من شبهة الاستحقاق . وفي الكتاب : إن سرق أحد [ ص: 156 ] الأبوين من مال الولد ، لم يقطع ، أو الجد من قبل الأم أو الأب ، أحب إلي أن لا يقطعوا ; لأنه أب ; ولأن الدية تغلظ عليهم كالأب ، وليس المسقط النفقة ; لأنه لا يلزمه نفقة ابنه الكبير ولا ابنته الثيب ، ولا يقطع لهما ، ولا يحد في وطء جواريهما ، ويقطع الابن ويحد في وطء الجارية . وتقطع المرأة إن سرقت من مال زوجها من غير بيتها التي تسكنه . وكذلك جاريتها إن سرقت من مال الزوج أكثر من حقها . وحق المرأة ، والابن في المال كحق صاحب الدين . ويشترط في خادمها وخادمه الحجر عليها من بيت المال ، وإن سرق العبد أو المكاتب من مال السيد ، لم يقطع ، لشبهة النفقة ، أو لقوله - عليه السلام - : ( عبدكم سرق متاعكم ) ، وفي العتبية : إن سرق مال ابن سيده ، قطع ، أو السيد من مال عبده أو مكاتبه أو مكاتب ابنه أو عبد أبيه ، لم يقطع ; لشبهة الانتزاع يوما ما . قال اللخمي عن أشهب : لا يقطع الابن لشبهة الإنفاق كالأب ، ولا يحد في الزنا ، وقال ابن القصار : يقطع إن سقطت نفقته ، وإلا فلا يقطع ، كالبكر والذمي ، فإن سرق من مال أمه أو زنى ، حد ، أو ولد الولد من أحد أجداده أو جداته ، حد . وعن أشهب : يقطع الجد ; لعدم النفقة في مال حفيده . وعن مصعب : يقطع العبد في موضع حجب عنه ، وإن كان المال في بيت واحد في تابوت محجور عليه ، فلابن القاسم في قطع الزوجين للآخر قولان ، ويختلف على قوله في الضيف ، وعدم قطع الزوجين أحسن . إن كان الحجر تحفظا من أجنبي ، وإن خاف أحدهما الآخر ، قطع ، وإن سرق الزوج مما شورها به ولم يبن بها ، قطع على القول بوجوبه كله لها ، وعلى القول أنه مترقب لا يحد . وفي الكتاب : إذا أدخل [ ص: 157 ] الضيف داره وبيته فيها ، فسرق منها ، لا يقطع ، وقطعه سحنون إن أخرجه إلى قاعدة الدار ; لأن الدار ليست بحرز للإذن في دخولها ، والبيت حرز . وفي الجواهر : لا يقطع مستحق الدين إذا سرق من غريمه المماطل حبس حقه ، وقال ( ح ) : لا يقطع الزوجان مطلقا ، وكذلك المعتدة المبتوتة ، والأصهار إذا سرقوا من بيت الأختان والأختان من الأصهار ، وكل ذي رحم محرم حتى الربيب للمرأة أو الرجل . وعند ( ش ) ثلاثة أقوال : يقطع الزوجان ، لا يقطعان ، يقطع الزوج دون المرأة ، ووافقنا في الأصهار وغيرهم . لنا في القطع : العمومات ، والأقيسة على الإجارة ، والصديقين ، والمداين . احتجوا بأن العادة أن كل واحد منهما ينبسط في مال الآخر ، أما المرأة فبالنفقة ، وأما هو فيحجر عليها في معنى الثلث ، ويتجمل بمالها ، ويفترشه ، ويبتذله . ولأن الأبوة فرع المناكحة ، والأبوة تمنع القطع ، فأصلها أولى ، أو نقول : متوارثان ، فلا يقطع أحدهما للآخر ، كالابن مع الأب ; ولقوله تعالى : ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم ) ، فذكر الأعمام ، والعمات ، والخال ، والخالات ، والإخوة ، والأخوات ، فتحققت الشبهة في مالهم .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن العادة وصول الأجر إليه ، فلا يقطع ، إنما النزاع فيما حجر فيه عليه . وأما النفقة فمعاوضة كالإجارة .

                                                                                                                وعن الثاني : أنه يبطل بجريان القصاص فيها دون الأب .

                                                                                                                وعن الثالث : الفرق بأن الأب أقوى ; لامتناع القصاص فيه دونهما .

                                                                                                                وعن الرابع : أن الصديق في الآية ، وهو يقطع اتفاقا ، وإنما الآية أذنت في [ ص: 158 ] الأكل ولم تأذن في دخول المواضع المحجور عليها ، وفي صورة التنازع ، وقال تعالى : ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) ، فتلك الآية فوتها هذه .

                                                                                                                قاعدة : الشبهة ثلاثة أقسام : في غاية القوة ( اتفق على اعتباره ، كالشركة ) ، وفي غاية الضعف ، ( اتفق على إلغائه كالأجير والصديق ) ، وقسم متردد بين القوة والضعف ، اختلف في إلحاقه بأي القسمين .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية