الطرف الثاني في وهو إحدى جهات العصوبة ، ومن يرث به ، لا يرث إلا بالعصوبة ، ويتعلق به ثلاثة أحكام : الإرث ، وولاية التزويج ، وتحمل الدية ، وقد ذكرناها في مواضعها . حكم الولاء
قلت : ورابع ، وهو التقدم في صلاة الجنازة ، فإذا مات العتيق ، ولا وارث له بنسب ولا نكاح ، ورث معتقه جميع ماله . وإن كان له من يرث بالفرضية ، وفضل منه شيء ، أخذه المعتق ، فإن لم يكن المعتق [ ص: 175 ] حيا ، ورث بولاية أقرب عصباته ، ولا يرث أصحاب فروضه ، ولا من يتعصب بغيره ، فإن لم نجد للمعتق عصبة بالنسب ، فالميراث لمعتق المعتق ، فإن لم نجده ، فلعصبات معتق المعتق ، فإن لم نجدهم ، فلمعتق معتق المعتق ، ثم لعصبته ، ولا ميراث لمعتق عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده . وللأصحاب عبارة ضابطة لمن يرث بولاء المعتق إذا لم يكن المعتق حيا ، قالوا : هو ذكر يكون عصبة المعتق لو مات المعتق يوم موت العتيق بصفة العتيق . وخرجوا عليها مسائل :
منها : إذا ، فالميراث للذكر دون الأنثى ، ولا يرث النساء بولاء الغير أصلا ، لكن إن باشرت المرأة إعتاقا ، أو عتق عليها مملوك ، فلها عليه الولاء ، كما للرجل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " مات العتيق ، وللمعتق ابن وبنت ، أو أب وأم ، أو أخ وأخت " كما يثبت لها الولاء على عتيقها يثبت على أولاده وأحفاده وعتيقه كالرجل . إنما الولاء لمن أعتق
ومنها : لو ، فولاء العتيق لهما ، فمات أحدهما وخلف ابنا ، فولاء العتيق لابن المعتق ، دون ابن ابنه ، وهذه الصورة ونحوها معنى ما روي عن أعتق عبدا ، ومات عن ابنين عمر وعثمان رضي الله عنهما : أن الولاء للكبر ، بضم الكاف ، أي الكبير في الدرجة والقرب ، دون السن . ولو مات المعتق عن ثلاثة بنين ، ثم مات أحدهم عن ابن ، وآخر عن أربعة ، والآخر عن خمسة ، فالولاء بين العشرة بالسوية ، فإذا مات العتيق ، ورثوه أعشارا ; لأنه لو مات المعتق يومئذ ورثوه كذلك . ولو [ ص: 176 ] أعتق عبدا ، ومات عن أخ من أبوين وأخ من أب ، فولاء عتيقه للأخ من الأبوين على المذهب ، كما سبق . فلو مات الأخ من الأبوين ، وخلف ابنا ، والأخ الآخر ، فولاء العتيق للأخ ; لأن المعتق لو مات الآن كان عصبة الأخ من الأب ، دون ابن الأخ من الأبوين .
ومنها : ، فميراثه للابن الكافر ; لأنه الذي يرث المعتق بصفة الكفر . ولو أسلم العتيق ، ثم مات ، فميراثه للابن المسلم . ولو أسلم الابن الكافر ، ثم مات العتيق مسلما ، فالميراث بينهما . أعتق مسلم عبدا كافرا ، ومات عن ابنين : مسلم وكافر ، ثم مات العتيق
فرع
، إلا في مسائل سبقت في الفرائض . منها : أخ المعتق وجده ، إذا اجتمعا هل يتساويان كالإرث ، أم يقدم الأخ ؟ قولان : أظهرهما الثاني ، فيقدم ابن الأخ أيضا ، ويقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب على المذهب . وقيل : قولان . ولو كان له أبناء عم ، أحدهما أخ لأم ، قدم على المذهب . الذين يرثون بولاء المعتق من عصباته ، يترتبون ترتب عصبات النسب
فرع
، قد يكون بمحض الإعتاق ، كمعتق المعتق ، ومعتق معتق المعتق ، وقد يتركب من الإعتاق والنسب ، كمعتق الأب وأبي المعتق ومعتق أبي المعتق ، فإن تركب الانتساب ، فقد يشتبه حكم الولاء ويغالط به ، بأن قال : اجتمع أبو المعتق ومعتق الأب فأيهما أولى ؟ وجوابه أنه إذا كان للميت أبو المعتق ، كان له معتق ، وحينئذ فلا ولاء لمعتق أبيه أصلا كما سبق ، فلا معنى لمقابلة أحدهما بالآخر وطلب [ ص: 177 ] الأولوية . ولو اجتمع معتق أبي المعتق ، ومعتق المعتق ، فالولاء لمعتق المعتق لأن ولاءه بجهة المباشرة . الانتساب في الولاء
فرع
اشترت امرأة أباها ، فعتق ، ثم أعتق الأب عبدا ، ومات عتيقه بعد موته ، نظر ، إن لم يكن للأب عصبة بالنسب ، فميراث العتيق للبنت ، لا لكونها بنت المعتق ، بل لأنها معتقة المعتق ، وإن كان له عصبة ، كأخ وابن عم قريب أو بعيد ، فميراث العتيق له ; لأنه عصبة المعتق بالنسب ، ولا شيء للبنت ; لأنها معتقة المعتق ، فتتأخر عن عصبة النسب . قال الشيخ أبو علي : سمعت بعض الناس يقول : أخطأ في هذه المسألة أربعمائة قاض ، لأنهم رأوها أقرب . ولو اشترى أخ وأخت أباهما ، فعتق عليهما ، ثم أعتق عبدا ، ومات العتيق بعد موت الأب ، وخلف الأخ والأخت ، فميراثه للأخ ، دون الأخت لأنه ، بل لو كان الأخ قد مات قبل موت الأب ، وخلف ابنا وابن ابن أو كان للأب ابن عم بعيد ، فهو أولى من البنت . عصبة المعتق بالنسب
ولو مات هذا الأخ بعد موت الأب ، ولم يخلفه إلا أخته ، فلها نصف الإرث بالأخوة ، ونصف الباقي ; لأن لها نصف ولاء الأخ ، لإعتاقها نصف أبيه ، فلها ثلاثة أرباع المال .
ولو مات الأب ، ثم الابن ، ثم العتيق ، ولم يخلف إلا البنت فلها ثلاثة أرباع الميراث أيضا : النصف لأنها معتقة نصف المعتق ، ونصف الباقي لولاء السراية ، على نصف الأخ بإعتاقها نصف [ ص: 178 ] أبيه ، فهي معتقة نصف أبي معتق معتقه . والربع الباقي في الصورتين لبيت المال . ولو مات الأب ، ولم يخلف إلا البنت ، فقال في " الوجيز " : لها النصف بالبنوة ، ونصف الباقي لولائها على نصف الأب ولم يذكر الصورة في " الوسيط " ولا في " النهاية " ومفهومه انحصار حقها في النصف والربع ، وكلام الأصحاب منهم الشيخ الغزالي أبو علي وأبو خلف السلمي ، في صورة أخرى - ينازع في هذا ، فإنهم قالوا : لو ، فلهما الثلثان ، والباقي بالولاء . اشترت أختان أباهما بالسوية ، فعتق عليهما ، ثم مات الأب
ولو ماتت إحداهما بعد موت الأب ، فللأخرى النصف بالأخوة ، ونصف الباقي بولائهما على نصف الأخت ، بإعتاقها نصف أبيها . وأما الربع ، فأطلق البغوي أنه لبيت المال ، وليحمل ذلك على ما إذا كانت أمها حرة أصلية ، فأما إذا كانت معتقة ، فلموالي الأم ولاء الأختين ، فإذا أعتقنا الأب ، جرت كل واحدة نصف ولاء أختها إلى نفسها ، وهل تجر ولاء نفسها وتسقط ، أم يبقى لموالي الأم ؟ فيه خلاف سبق ، فإن قلنا : تبقى هي وهو الأصح ، فالربع الباقي لموالي الأم ، وإن قلنا : يجر ويسقط ، فهو لبيت المال . ولو ماتت إحدى الأختين ، ثم مات الأب ، وخلفت الأخرى ، فلها سبعة أثمان ماله ، والنصف بالبنوة ، والربع لأنها معتقة نصفه ، ونصف الربع الباقي ; لأن لها نصف ولاء الأخت بإعتاقها نصف أبيها ، والثمن الباقي لموالي الأم إن كانت معتقة على الأصح ; لأن نصف ولاء الميتة يبقى لها .
وإن قلنا : لا يبقى ، فهو لبيت المال ، وهذه الصورة كالصورة التي ذكرها . ولو اشترتا الأب ، وعتق عليهما ، ثم أعتق عبدا ومات العتيق بعد موته ، وخلف البنتين ، فجميع المال لهما ، لأنهما معتقتا معتقه . الغزالي