الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني في حكم الولاء وهو إحدى جهات العصوبة ، ومن يرث به ، لا يرث إلا بالعصوبة ، ويتعلق به ثلاثة أحكام : الإرث ، وولاية التزويج ، وتحمل الدية ، وقد ذكرناها في مواضعها .

                                                                                                                                                                        قلت : ورابع ، وهو التقدم في صلاة الجنازة ، فإذا مات العتيق ، ولا وارث له بنسب ولا نكاح ، ورث معتقه جميع ماله . وإن كان له من يرث بالفرضية ، وفضل منه شيء ، أخذه المعتق ، فإن لم يكن المعتق [ ص: 175 ] حيا ، ورث بولاية أقرب عصباته ، ولا يرث أصحاب فروضه ، ولا من يتعصب بغيره ، فإن لم نجد للمعتق عصبة بالنسب ، فالميراث لمعتق المعتق ، فإن لم نجده ، فلعصبات معتق المعتق ، فإن لم نجدهم ، فلمعتق معتق المعتق ، ثم لعصبته ، ولا ميراث لمعتق عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده . وللأصحاب عبارة ضابطة لمن يرث بولاء المعتق إذا لم يكن المعتق حيا ، قالوا : هو ذكر يكون عصبة المعتق لو مات المعتق يوم موت العتيق بصفة العتيق . وخرجوا عليها مسائل :

                                                                                                                                                                        منها : إذا مات العتيق ، وللمعتق ابن وبنت ، أو أب وأم ، أو أخ وأخت ، فالميراث للذكر دون الأنثى ، ولا يرث النساء بولاء الغير أصلا ، لكن إن باشرت المرأة إعتاقا ، أو عتق عليها مملوك ، فلها عليه الولاء ، كما للرجل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الولاء لمن أعتق " كما يثبت لها الولاء على عتيقها يثبت على أولاده وأحفاده وعتيقه كالرجل .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو أعتق عبدا ، ومات عن ابنين ، فولاء العتيق لهما ، فمات أحدهما وخلف ابنا ، فولاء العتيق لابن المعتق ، دون ابن ابنه ، وهذه الصورة ونحوها معنى ما روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما : أن الولاء للكبر ، بضم الكاف ، أي الكبير في الدرجة والقرب ، دون السن . ولو مات المعتق عن ثلاثة بنين ، ثم مات أحدهم عن ابن ، وآخر عن أربعة ، والآخر عن خمسة ، فالولاء بين العشرة بالسوية ، فإذا مات العتيق ، ورثوه أعشارا ; لأنه لو مات المعتق يومئذ ورثوه كذلك . ولو [ ص: 176 ] أعتق عبدا ، ومات عن أخ من أبوين وأخ من أب ، فولاء عتيقه للأخ من الأبوين على المذهب ، كما سبق . فلو مات الأخ من الأبوين ، وخلف ابنا ، والأخ الآخر ، فولاء العتيق للأخ ; لأن المعتق لو مات الآن كان عصبة الأخ من الأب ، دون ابن الأخ من الأبوين .

                                                                                                                                                                        ومنها : أعتق مسلم عبدا كافرا ، ومات عن ابنين : مسلم وكافر ، ثم مات العتيق ، فميراثه للابن الكافر ; لأنه الذي يرث المعتق بصفة الكفر . ولو أسلم العتيق ، ثم مات ، فميراثه للابن المسلم . ولو أسلم الابن الكافر ، ثم مات العتيق مسلما ، فالميراث بينهما .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الذين يرثون بولاء المعتق من عصباته ، يترتبون ترتب عصبات النسب ، إلا في مسائل سبقت في الفرائض . منها : أخ المعتق وجده ، إذا اجتمعا هل يتساويان كالإرث ، أم يقدم الأخ ؟ قولان : أظهرهما الثاني ، فيقدم ابن الأخ أيضا ، ويقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب على المذهب . وقيل : قولان . ولو كان له أبناء عم ، أحدهما أخ لأم ، قدم على المذهب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الانتساب في الولاء ، قد يكون بمحض الإعتاق ، كمعتق المعتق ، ومعتق معتق المعتق ، وقد يتركب من الإعتاق والنسب ، كمعتق الأب وأبي المعتق ومعتق أبي المعتق ، فإن تركب الانتساب ، فقد يشتبه حكم الولاء ويغالط به ، بأن قال : اجتمع أبو المعتق ومعتق الأب فأيهما أولى ؟ وجوابه أنه إذا كان للميت أبو المعتق ، كان له معتق ، وحينئذ فلا ولاء لمعتق أبيه أصلا كما سبق ، فلا معنى لمقابلة أحدهما بالآخر وطلب [ ص: 177 ] الأولوية . ولو اجتمع معتق أبي المعتق ، ومعتق المعتق ، فالولاء لمعتق المعتق لأن ولاءه بجهة المباشرة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اشترت امرأة أباها ، فعتق ، ثم أعتق الأب عبدا ، ومات عتيقه بعد موته ، نظر ، إن لم يكن للأب عصبة بالنسب ، فميراث العتيق للبنت ، لا لكونها بنت المعتق ، بل لأنها معتقة المعتق ، وإن كان له عصبة ، كأخ وابن عم قريب أو بعيد ، فميراث العتيق له ; لأنه عصبة المعتق بالنسب ، ولا شيء للبنت ; لأنها معتقة المعتق ، فتتأخر عن عصبة النسب . قال الشيخ أبو علي : سمعت بعض الناس يقول : أخطأ في هذه المسألة أربعمائة قاض ، لأنهم رأوها أقرب . ولو اشترى أخ وأخت أباهما ، فعتق عليهما ، ثم أعتق عبدا ، ومات العتيق بعد موت الأب ، وخلف الأخ والأخت ، فميراثه للأخ ، دون الأخت لأنه عصبة المعتق بالنسب ، بل لو كان الأخ قد مات قبل موت الأب ، وخلف ابنا وابن ابن أو كان للأب ابن عم بعيد ، فهو أولى من البنت .

                                                                                                                                                                        ولو مات هذا الأخ بعد موت الأب ، ولم يخلفه إلا أخته ، فلها نصف الإرث بالأخوة ، ونصف الباقي ; لأن لها نصف ولاء الأخ ، لإعتاقها نصف أبيه ، فلها ثلاثة أرباع المال .

                                                                                                                                                                        ولو مات الأب ، ثم الابن ، ثم العتيق ، ولم يخلف إلا البنت فلها ثلاثة أرباع الميراث أيضا : النصف لأنها معتقة نصف المعتق ، ونصف الباقي لولاء السراية ، على نصف الأخ بإعتاقها نصف [ ص: 178 ] أبيه ، فهي معتقة نصف أبي معتق معتقه . والربع الباقي في الصورتين لبيت المال . ولو مات الأب ، ولم يخلف إلا البنت ، فقال الغزالي في " الوجيز " : لها النصف بالبنوة ، ونصف الباقي لولائها على نصف الأب ولم يذكر الصورة في " الوسيط " ولا في " النهاية " ومفهومه انحصار حقها في النصف والربع ، وكلام الأصحاب منهم الشيخ أبو علي وأبو خلف السلمي ، في صورة أخرى - ينازع في هذا ، فإنهم قالوا : لو اشترت أختان أباهما بالسوية ، فعتق عليهما ، ثم مات الأب ، فلهما الثلثان ، والباقي بالولاء .

                                                                                                                                                                        ولو ماتت إحداهما بعد موت الأب ، فللأخرى النصف بالأخوة ، ونصف الباقي بولائهما على نصف الأخت ، بإعتاقها نصف أبيها . وأما الربع ، فأطلق البغوي أنه لبيت المال ، وليحمل ذلك على ما إذا كانت أمها حرة أصلية ، فأما إذا كانت معتقة ، فلموالي الأم ولاء الأختين ، فإذا أعتقنا الأب ، جرت كل واحدة نصف ولاء أختها إلى نفسها ، وهل تجر ولاء نفسها وتسقط ، أم يبقى لموالي الأم ؟ فيه خلاف سبق ، فإن قلنا : تبقى هي وهو الأصح ، فالربع الباقي لموالي الأم ، وإن قلنا : يجر ويسقط ، فهو لبيت المال . ولو ماتت إحدى الأختين ، ثم مات الأب ، وخلفت الأخرى ، فلها سبعة أثمان ماله ، والنصف بالبنوة ، والربع لأنها معتقة نصفه ، ونصف الربع الباقي ; لأن لها نصف ولاء الأخت بإعتاقها نصف أبيها ، والثمن الباقي لموالي الأم إن كانت معتقة على الأصح ; لأن نصف ولاء الميتة يبقى لها .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : لا يبقى ، فهو لبيت المال ، وهذه الصورة كالصورة التي ذكرها الغزالي . ولو اشترتا الأب ، وعتق عليهما ، ثم أعتق عبدا ومات العتيق بعد موته ، وخلف البنتين ، فجميع المال لهما ، لأنهما معتقتا معتقه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية