الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 141 ] فرع

                                                                                                                                                                        كل عبد من المنجز إعتاقهم عتق بالقرعة يحكم بعتقه من يوم الإعتاق لا من يوم القرعة ، ويسلم له ما كسبه من وقت الإعتاق ولا يحسب من الثلث ، سواء كسبه في حياة المعتق أم بعد موته ، وكل من بقي رقيقا منهم فأكسابه قبل موت المعتق ، تحسب على الوارث في الثلثين ، وأكسابه بعد موته وقبل القرعة لا تحسب عليه ، لحصولها على ملكه . فلو أعتق في مرضه ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم ، قيمة كل واحد مائة ، وكسب أحدهم مائة ، وأقرعنا ، فإن خرجت القرعة للكاسب ، عتق وفاز بكسبه ، ورق الآخران ، وإن خرج لأحد الآخرين ، عتق ، ثم تعاد بين الكاسب والآخر ، فإن خرجت للآخر ، عتق ثلثه وبقي ثلثاه مع الكاسب ، وكسبه للورثة ، وإن خرجت للكاسب ، وقع الدور ; لأنه يعتق بعضه ، ويتوزع الكسب على ما عتق وعلى ما رق ، ولا يحسب عليه حصة ما عتق ، وتزيد التركة بحصة ما رق ، وإذا زادت التركة ، زاد ما عتق ، وتزيد حصته ، وإذا زادت حصته ، نقصت حصة التركة .

                                                                                                                                                                        وطريق استخراجه بيناه في المسائل الدورية من الوصايا والحكم أنه يعتق منه ربعه ، ويتبعه ربع كسبه ، يبقى للورثة ثلاثة أرباعه ، وثلاثة أرباع كسبه مع العبد الآخر ، وجملتها ضعف ما عتق ، ولو كسب أحدهم مائتين ، وخرجت القرعة الثانية لغير الكاسب ، عتق ثلثاه وبقي ثلثه ، والكاسب وكسبه للورثة ، وإن خرجت للكاسب ، [ ص: 142 ] فقد عتق منه شيء ، وتبعه من الكسب شيئان ; لأن كسبه مثلا قيمته ، تبقى للورثة أربعة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق ، وهو عبدان وشيئان فبعد الجبر أربعة أعبد ، تعدل عبدين وخمسة أشياء ، تسقط عبدين بعبدين ، يبقى عبدان وشيئان في مقابلة خمسة أشياء ، فالشيء خمس العبدين ، وهو خمسا عبد ، وذلك أربعون ، فقد عتق مائة وأربعون ، وبقي للورثة ثلاثة أخماسه ستون ، وثلاثة أخماس كسبه مائة وعشرون والعبد الآخر ، وجملتها مائتان وثمانون ، وقد سبقت نظائر هذا في الوصايا . هذا كله في الأكساب الحاصلة في حياة المعتق ، ولو كسب أحدهم في المثال المذكور مائة بعد موته ، فإن خرجت القرعة للكاسب عتق وتبعه كسبه غير محسوب كما لو كسب في الحياة وإن خرجت لغير الكاسب ، عتق ، ورق الآخران ، ولا تعاد القرعة للكسب ، بل يفوز به الوارث لحصوله في ملكه ، وكسب من أوصي بإعتاقه في حياة الموصي للموصي ، تزيد به التركة والثلث ، وكسبه بعد موته لا تزيد به التركة ولا الثلث بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        وهل هو للورثة أم للعبد ؟ طريقان حكاهما ابن الصباغ أحدهما : قولان كالقولين في أن كسب الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول للورثة أو للموصى له ؟ والمذهب القطع بأنه للورثة . والفرق أنه استحق العتق بموت الموصي استحقاقا مستقرا ، والوصية غير مستقرة ، بل الموصى له بالخيار بين الرد والقبول ، وإذا زادت قيمة من نجز إعتاقه ، كانت الزيادة كالكسب ، فمن خرجت له قرعة العتق ، تبعته الزيادة غير محسوبة عليه ، وكذا لو كان فيمن أعتقهم جارية ، فولدت قبل موت المعتق ، فالولد كالكسب ، [ ص: 143 ] فإذا خرجت القرعة لها ، تبعها الولد غير محسوب من الثلث ، وإن خرجت لغير من زادت قيمته ، أو التي ولدت ، وقع للدور . ولو أعتق ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم ، قيمة كل واحد مائة ، فبلغت قيمة أحدهم مائتين ، فهو كما لو كسب أحدهم مائة .

                                                                                                                                                                        ولو أعتق أمتين ، قيمة كل واحدة مائة ، فولدت إحداهما ولدا قيمته مائة ، فهو كما لو كسب أحدهم مائة ، فإن خرجت القرعة للتي لم تلد ، عتقت ، ورقت الوالدة وولدها ، وهما ضعف ما عتق ، وإن خرجت للوالدة ، عتق منها شيء ، وتبعها من الولد مثله ، يبقى مع الورثة ثلاثمائة إلا شيئين يعدل ضعف ما أعتقنا محسوبا ، وهما شيئان ، فبعد الجبر يعدل ثلاثمائة أربعة أشياء ، فالشيء ثلاثة أرباع مائة ، فعرفنا أنه عتق ثلاثة أرباعها ، وتبعها ثلاثة أرباع الولد ، يبقى للورثة ربعهما والجارية الأخرى ، وجملته مائة وخمسون ، ضعف ما عتق منها . ولو قال لأمته الحامل في مرض موته : أنت حرة ، أو ما في بطنك ، فولدت لدون ستة أشهر من يوم الإعتاق ، ولم يتفق تعيين ، فيقرع ، فإن خرجت للولد ، عتق دون الأم ، وإن لم يف الثلث به ، عتق منه قدر الثلث ، وإن خرجت الأم ، عتقت ، وتبعها الولد إن وفى بهما الثلث ، وإلا ، فيعتق منها شيء ، ويتبعها من الولد شيء .

                                                                                                                                                                        وطريق استخراجه ما ذكرناه في الوصايا فيمن أعتق عبدا فكسب ، وتقويم الولد بما يكون يوم الولادة ، هذا كله إذا ولدت قبل موت المعتق ، فإن ولدت بعده ، نظر إن ولدت لأكثر من ستة أشهر من يوم الموت ، فالولد ككسب حصل بعد موته ، إن خرجت القرعة للأم ، عتقت ، وتبعها ، وإن خرجت لغير [ ص: 144 ] الوالدة ، عتقت ، ولا تعاد القرعة للولد ; لأنه حدث على ملك الورثة ، وإن ولدت لأقل من ستة أشهر ، فهل تحسب على الوارث حتى تعاد القرعة ؟ قال البغوي : يبنى على أن الحمل هل يعرف ؟ إن قلنا : لا ، فهو كالحادث بعد الموت ، فلا تعاد ، وإن قلنا : نعم ، فكالحادث قبل الموت ، فتعاد ، وأطلق الصيدلاني وجهين في أنها لو ولدت بعد الموت ، هل يحسب الولد على الورثة من الثلثين ؟ ولو نقصت قيمة من نجز ، عتق بعضهم قبل موت المعتق ، فإن كان النقص فيمن خرجت له قرعة العتق ، حسب عليه ; لأنه محكوم بعتقه من يوم الإعتاق ، وإن كان فيمن رق ، لم يحسب على الورثة إذا لم يحصل لهم إلا الناقص . فلو أعتق عبدا لا مال له غيره ، قيمته مائة ، ورجع إلى خمسين ، فقد ذكرنا طريق استخراجه في الوصايا . وحاصله أن يعتق منه الخمس .

                                                                                                                                                                        ولو أعتق ثلاثة أعبد ، قيمة كل واحد مائة ، فعادت قيمة أحدهم إلى خمسين ، فإن خرجت القرعة للناقص ، عتق وحده ; لأنه كانت قيمته يوم الإعتاق مائة ، فينبغي أن يبقى للورثة ضعفها ، وإن خرجت لأحد الآخرين ، عتق منه خمسة أسداس ، وهي ثلاثة وثمانون وثلث ، يبقى للورثة سدسه والعبد الآخر والناقص .

                                                                                                                                                                        وجملة ذلك مائة وستة وستون وثلثان ، ضعف ما عتق ; لأن المحسوب على الورثة الباقي بعد النقص ، وهو مائتان وخمسون . ولو أعتق عبدين قيمة كل واحد مائة ، ولا مال له سواهما ، فعادت قيمة أحدهما إلى خمسين ، فإن خرجت القرعة للآخر ، عتق نصفه ، وبقي للورثة نصفه مع العبد الناقص ، وهما ضعف ما عتق ، وإن خرجت للناقص ، وقع الدور ، لأنا نحتاج إلى إعتاق بعضه معتبرا بيوم الإعتاق ، وإلى إبقاء ضعفه للورثة معتبرا بيوم الموت ، وحاصله أنه يعتق ثلاثة أخماسه ، يبقى خمساه مع الآخر للورثة .

                                                                                                                                                                        وإن حدث [ ص: 145 ] النقص بعد موت المعتق ، وقبل الإقراع ، فهل يحسب على الورثة ؟ قال البغوي : إن كان الوارث مقصور اليد عن التركة ، لم يحسب عليه كما في حال الحياة ، وإلا فوجهان ، أصحهما : يحسب عليه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية