الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صحب

                                                          صحب : صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة بالفتح ، وصاحبه : عاشره . والصحب : جمع الصاحب مثل راكب وركب . والأصحاب : جماعة الصحب مثل فرخ وأفراخ . والصاحب : المعاشر ؛ لا يتعدى تعدي الفعل ، أعني أنك لا تقول : زيد صاحب عمرا لأنهم إنما استعملوه استعمال الأسماء نحو غلام زيد ، ولو استعملوه استعمال الصفة لقالوا : زيد صاحب عمرا أو زيد صاحب عمرو ، على إرادة التنوين ، كما تقول : زيد ضارب عمرا ، وزيد ضارب عمرو ؛ تريد بغير التنوين ما تريد بالتنوين ، والجمع أصحاب ، وأصاحيب ، وصحبان ، مثل شاب وشبان ، وصحاب مثل جائع وجياع ، وصحب وصحابة وصحابة ، حكاها جميعا الأخفش ، وأكثر الناس على الكسر دون الهاء ، وعلى الفتح معها ، والكسر معها عن الفراء خاصة . ولا يمتنع أن تكون الهاء مع الكسر من جهة القياس ، على أن تزاد الهاء لتأنيث الجمع . وفي حديث قيلة : خرجت أبتغي الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بالفتح ؛ جمع صاحب ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          فكان تدانينا وعقد عذاره وقال صحابي قد شأونك فاطلب

                                                          قال ابن بري : أغنى عن خبر كان الواو التي في معنى مع ، كأنه قال :

                                                          فكان تدانينا مع عقد عذاره كما قالوا : كل رجل وضيعته ، فكل مبتدأ ، وضيعته معطوف على ( كل ) ، ولم يأت بخبر ، وإنما أغنى عن الخبر كون الواو في معنى مع ، والضيعة هنا : الحرفة ، كأنه قال : كل رجل مع حرفته . وكذلك قولهم : كل رجل وشأنه . وقال الجوهري : الصحابة بالفتح : الأصحاب ، وهو في الأصل مصدر ، وجمع الأصحاب أصاحيب . وأما الصحبة والصحب فاسمان للجمع . وقال الأخفش : الصحب جمع خلافا لمذهب سيبويه ، ويقال : صاحب وأصحاب ، كما يقال : شاهد وأشهاد ، وناصر وأنصار . ومن قال : صاحب وصحبة ، فهو كقولك فاره وفرهة ، وغلام رائق ، والجمع روقة ؛ والصحبة مصدر قولك : صحب يصحب صحبة . وقالوا في النساء : هن صواحب يوسف . وحكى الفارسي عن أبي الحسن : هن صواحبات يوسف ، جمعوا صواحب جمع السلامة ، كقوله :


                                                          فهن يعلكن حدائداتها

                                                          وقوله :


                                                          جذب الصراريين بالكرور

                                                          والصحابة : مصدر قولك صاحبك الله وأحسن صحابتك . وتقول للرجل عند التوديع : معانا مصاحبا . ومن قال : معان مصاحب ، فمعناه : أنت معان مصاحب . ويقال : إنه لمصحاب لنا بما يحب ؛ وقال الأعشى :

                                                          [ ص: 201 ]

                                                          فقد أراك لنا بالود مصحابا

                                                          وفلان صاحب صدق . واصطحب الرجلان وتصاحبا واصطحب القوم : صحب بعضهم بعضا ، وأصله اصتحب ؛ لأن تاء الافتعال تتغير عند الصاد مثل اصطحب ، وعند الضاد مثل اضطرب ، وعند الطاء مثل اطلب ، وعند الظاء مثل اظلم ، وعند الدال مثل ادعى ، وعند الذال مثل اذخر ، وعند الزاي مثل ازدجر ؛ لأن التاء لان مخرجها فلم توافق هذه الحروف لشدة مخارجها ، فأبدل منها ما يوافقها ، لتخف على اللسان ، ويعذب اللفظ به . وحمار أصحب أي أصحر يضرب لونه إلى الحمرة . وأصحب : صار ذا صاحب ، وكان ذا أصحاب . وأصحب : بلغ ابنه مبلغ الرجال ، فصار مثله ، فكأنه صاحبه . واستصحب الرجل : دعاه إلى الصحبة ؛ وكل ما لازم شيئا فقد استصحبه ؛ قال :


                                                          إن لك الفضل على صحبتي     والمسك قد يستصحب الرامكا

                                                          الرامك : نوع من الطيب رديء خسيس . وأصحبته الشيء : جعلته له صاحبا ، واستصحبته الكتاب وغيره . وأصحب الرجل واصطحبه : حفظه . وفي الحديث : اللهم اصحبنا بصحبة واقلبنا بذمة أي احفظنا بحفظك في سفرنا وأرجعنا بأمانتك وعهدك إلى بلدنا . وفي التنزيل : ولا هم منا يصحبون ؛ قال : يعني الآلهة لا تمنع أنفسنا ، ولا هم منا يصحبون : يجارون أي الكفار ، ألا ترى أن العرب تقول : أنا جار لك ؛ ومعناه : أجيرك وأمنعك . فقال : يصحبون بالإجارة . وقال قتادة : لا يصحبون من الله بخير ؛ وقال أبو عثمان المازني : أصحبت الرجل أي منعته ؛ وأنشد قول الهذلي :


                                                          يرعى بروض الحزن من     أبه قربانه في عابه يصحب

                                                          يصحب : يمنع ويحفظ ، وهو من قوله تعالى : ولا هم منا يصحبون ؛ أي يمنعون . وقال غيره : هو من قوله : صحبك الله أي حفظك ، وكان جارا ، وقال :


                                                          جاري ومولاي لا يزني حريمهما     وصاحبي من دواعي السوء مصطحب

                                                          وأصحب البعير والدابة : انقادا . ومنهم من عم ، فقال : وأصحب ذل ، وانقاد من بعد صعوبة ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          ولست بذي رثية إمر     إذا قيد مستكرها أصحبا

                                                          الإمر : الذي يأتمر لكل أحد لضعفه ، والرثية : وجع المفاصل . وفي الحديث : فأصحبت الناقة أي انقادت ، واسترسلت ، وتبعت صاحبها . قال أبو عبيد : صحبت الرجل من الصحبة ، وأصحبت أي انقدت له ؛ وأنشد :


                                                          توالى ربعي السقاب فأصحبا

                                                          والمصحب المستقيم الذاهب لا يتلبث ؛ وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          يا ابن شهاب لست لي بصاحب     مع المماري ومع المصاحب

                                                          فسره فقال : المماري المخالف ، والمصاحب المنقاد من الإصحاب . وأصحب الماء : علاه الطحلب والعرمض ، فهو ماء مصحب . وأديم مصحب عليه صوفه أو شعره أو وبره ، وقد أصحبته : تركت ذلك عليه . وقربة مصحبة : بقي فيها من صوفها شيء ولم تعطنه . والحميت : ما ليس عليه شعر . ورجل مصحب : مجنون . وصحب المذبوح : سلخه في بعض اللغات . وتصحب من مجالستنا : استحيا . وقال ابن برزح : إنه يتصحب من مجالستنا أي يستحيي منها . وإذا قيل : فلان يتسحب علينا بالسين فمعناه : أنه يتمادح ويتدلل . وقولهم في النداء : يا صاح ، معناه يا صاحبي ، ولا يجوز ترخيم المضاف إلا في هذا وحده سمع من العرب مرخما . وبنو صحب : بطنان واحد في باهلة ، وآخر في كلب . وصحبان : اسم رجل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية