الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الحرمان والتخلف في ديار المسلمين

الدكتور / نبيل صبحي الطويل

الفصل الثالث : الحالة المرضية في الشرق الأوسط المسلم

مؤشرات هـامة [1]

عندما تحصل ولادة في هـذا الإقليم يتراوح متوسط العمر المتوقع لهذا الوليد ما بين 30 - 50 عاما، (ومتوسط العمر المتوقع للوليد في أوروبا هـو 71 عاما) [2] .

ويشكل الأولاد -دون سن الخامسة- خمس السكان، أما نسبة [ ص: 81 ] الأولاد دون سن الخامسة عشر فهي 45 - 50% من مجموع؛ أي حوالي: 125 مليونا.نصف أطفال وأولاد الإقليم مصابون بسوء التغذية [3] ؛ أي حوالي: 62 مليونا منهم، ‍وتتراوح نسبة وفيات الرضع في الإقليم ما بين (5) إلى (20) بالمائة. بينما النسبة في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا هـي: 8.0 بالمائة، إحصاءات عام 1975م.ومن مجموع أحد عشر مليونا من المواليد في الإقليم كل عام يموت مليونان؛ ‍مليون ونصف يموتون في سن الرضاعة؛ أقل من عام، ونصف مليون آخر يموتون قبل سن الثالثة.أما الأمراض القاتلة فهي:

الإنتانات المعدية المعوية مع مضاعفات سوء التغذية تقتل 800.000 التهابات جهاز التنفس تقتل 400.000 حميات الطفولة (الخناق، السعال الديكي، الكزاز، الحصبة، شلل الأطفال والسل) ولها كلها مصول واقية تقتل 250.000 الملاريا تقتل 50.000 أمراض وإصابات الأسبوع الأول من العمر تقتل 500.000 المجموع 2.000.000 مليونان [4] . [ ص: 82 ]

وكل هـؤلاء الأطفال المتوفين يموتون وهم في حالة سوء تغذية (حاد أو مزمن) . وإذا نظرنا إلى جميع المواطنين -من جميع الأعمار- في هـذا الإقليم المريض -وليس ذلك تشاؤما ولا مبالغة- فنجد أن فيه تقديريا: مليون حالة من السل [5] ، و: 217 مليونا من السكان معرضون للإصابة بمرض الملاريا؛ وسبعة ملايين ونصف مليون من حالات فقد البصر (العمى) ، بالإضافة إلى عدة ملايين من المصابين بضعف البصر [6] .

ولعل من المستحسن هـنا أن أعرض بإيجاز الأمراض التي تؤدي للعمى وضعف البصر في شرقنا الإسلامي المنكوب.

أولا: نقص فيتامين (أ) نقص فيتامين (أ) (A) وهو الموجود في: (الخضار، والحليب، والبيض، والزبدة) . يؤدي لمرض يسمى كزير وفثلميا (XEROHTHALmIA) ، ويظهر في أطفال أعمارهم ما بين سنة إلى ثلاث سنوات، وضحايا هـذا المرض هـم أبناء العائلات المعدمة، وينتشر المرض في أكثر الدول النامية، خاصة في التجمعات الحضرية الكبرى في جنوب شرقي آسيا، ونسبته عالية جدا في أندونيسيا (1.5% - 13%) عام 1975م؛ و: 60% إلى: 70% من حالات فقدان البصر في الأطفال تنجم عن هـذا المرض، ويعتقد أنه ثالث أهم العوامل المسببة للعمى في أطفال (ماليزيا) ، والعامل المسبب الأول للعمى في [ ص: 83 ] فيتنام؛ وفي جنوبي الهند يسبب المرض50% من حالات العمى [7] ، ومن المعقول التخمين بأن خمسة ملايين طفل آسيوي -دون سن السادسة- يصابون كل عام بهذا المرض بدرجات متفاوتة، ويفقد ربع إلى نصف مليون منهم البصر [8] . وفي العالم الثالث كله يسبب نقص فيتامين (أ) العمى بنسبة مليون حالة سنويا.

أما في شرقي البحر المتوسط فنسبة الإصابة بالمرض أقل بالمقارنة لشرقي آسيا، وفي عام 1963م أظهرت دراسة في الأردن أن 8% من الأطفال ما بين 2.5 - 3.5 سنة مصابون بمرض (كزير وفثلميا)[9] .

ثانيا: مرض التراخوما (Trachoma) التهاب في منضمة العين، ويصنف بحق كمرض من (امراض الفقر) فكل حالاته الشديدة التي تؤدي للعمى هـي في سكان الريف أو أطراف المدن الكبرى، الذين يعيشون ظروفا حياتية صعبة في بيئة غير نظيفة، وعادات غير صحية؛ ازدحام في المسكن، فقدان الماء، محيط ملوث، سوء تغذية، كل هـذه عوامل إضافية. والمرض متصل اتصالا وثيقا بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي وطريقة المعيشة.

وتعد (التراخوما) أهم عامل منفرد مسبب للعمى في العالم، ونسبة [ ص: 84 ] العمى في العالم النامي -من باب المعلومات- هـي: 10 إلى 40 ضعفا لمثيلتها في الدول الصناعية المتقدمة، وهناك حوالي (500) مليون إصابة تسبب العمى لتسعة ملايين، وتترك عددا أكبر ضعيفي البصر.

والمرض منتشر في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا خاصة في شماليها وبلاد الساحل جنوبي الصحراء. وقد أظهرت دراسات أجريت في أرياف مصر واليمن وجود حوادث (تراخوما) كثيرة، ويقول الخبراء: إن نتائج المسح تعكس في الغالب الواقع في كل بلاد المنطقة.

وقد تبدأ عوارض المرض بالظهور في الأشهر الأولى من عمر الرضيع، ولكن تظهر أغلب الأعراض عادة في الأعمار (2 - 5 سنوات) ، ففيهم أعلى نسبة من الإصابات، وهذا يقود إلى نسبة عالية من فقدان البصر.

والجدير بالذكر أنه يمكن التخلص من هـذا المرض خلال عشر سنوات مهما كانت نسبة الاستيطان عالية؛ إذا قامت حملة مكافحة جادة له. ولقد قدر في الدول النامية أن كلفة علاج (التراخوما) والإصابات المشابهة أكثر من 50% من الخسارة الاقتصادية التي تنتج عن بصر مضطرب تسببه التهابات العين [10] .

ثالثا: مرض عمى الأنهار (Onchocerciasis) ويسببه طفيلي (الفيلاريا) وتنقله ذبابة صغيرة سوداء اسمها (سيموليوم Simulium) ، وهي تبيض وتفرخ بالقرب من الأنهار؛ لذلك [ ص: 85 ]


- العمى في شبه القارة الهندية بسبب مرض (كزيروفثلميا)

نقص فيتامين (أ)

- صورة لمرض (التراخوما) الذي يسبب العمى [ ص: 86 ] سمى المرض (بعمى الأنهار) .

والمرض منتشر في أفريقيا الإستوائية؛ مثلا: السنغال، غانا، نيجيريا، فولتا العليا، ساحل العاج، تنجانيقا، كينيا، السودان، واليمن شماليه وجنوبيه، وكلها ديار المسلمين.

وتذكر التقديرات وجود ما بين 20 - 30 مليون حالة من هـذا المرض في العالم أغلبها في أفريقيا، وعندما تصاب العين بتوضع الطفيلي فيها ينتهي الأمر بالعمى.

وهناك في العالم اليوم حوالي 28 مليون أعمى أكثر من ثلثيهم في البلاد النامية، (ويسهم الفقر والبيئة الملوثة وفقدان الخدمات الصحية في حصول هـذا العدد الضخم من العميان) [11] . والعميان من الفتيان والشبان خسارة اقتصادية كبرى بالإضافة للمأساة الإنسانية في فقدهم لبصرهم بأمراض يمكن الوقاية منها لو توفرت الخدمات الصحية للمحرومين المسحوقين في العالم (النامي) .

التالي السابق


الخدمات العلمية