الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الركيزة الثانية: استيعاب حضارة العصر استيعابا كاملا

هناك حقائق لا مراء فيها، تبدو واضحة للدارس المتبصر، في تاريخ الحضارات، وحضارة الغرب المعاصرة على وجه الخصوص، نسردها فيما يلي كمدخل لشحذ قدرات أمتنا، وفعاليتها العلمية. الحقيقة الأولى: إن حضارة العصر التي تبدو لنا في غاية التعقيد، قامت على أساس العلم، ومدخلنا إليها لن يكون إلا عن طريق شحذ الفعالية العلمية للأمة، وسبيلنا إلى [ ص: 110 ] شحذ الفعالية العلمية هـو جهازنا التعليمي المتطور. الحقيقة الثانية: إن التقنية الحديثة، نشأت في الغرب من تزاوج العلم والحرفة، ثم من إصرار المجتمع الغربي على هـذا التزاوج، في صورة مراكز لتطوير الصناعات المختلفة. الحقيقة الثالثة: إن أرباب التقنية الحديثة لن يسمحوا بتعليم دقائقها لآخرين. هـذا هـو الواقع في عالمنا المعاصر. وعلينا أن نعي جيدا، أنه لن يمكننا الحصول على دقائق المعاصرة، حتى لو دفعنا من أجلها المال الوفير.

وفي ضوء هـذه الحقائق، يجب علينا أن ندرك: أن طريقنا إلى التقنية الحديثة، لا بد أن يمر بمراحل علمية تشبه التطور الزمني في بلاد الغرب، وليس منها ـ بطبيعة الحال ـ ما يسمى بـ " نقل التقنية " من دولة متقدمة إلى دولة متأخرة.

إن التقنية " لا تنقل " بالأجهزة والمعدات، ولكنها " تستنبت " بالجهد والمجاهدة، و " تستوعب " بالصبر والمثابرة، وتنمو بالعزيمة والإصرار، وقد آن الأوان لمن يعيش في وهم " نقل التقنية " أن يستيقظ على الحقيقة.

إن أمتنا تستطيع ـ كما أشرنا إلى ذلك من قبل ـ أن تسقط عمر الحضارة العلمية، والتقنية المعاصره على عمر الإنسان فيها، فتبدأ معه منذ الطفولة، تعلمه من خلال المزاوجة بين العلم والحرفة، وتأخذ بيده، لكي يتعلم، أن طريق التطور التقني طويل وشاق، وأن السير عليه يتطلب الثبات، والإصرار، والمثابرة.

على أن علينا أن نذكر مرة أخرى، بضروريات لا بد من مراعاتها، [ ص: 111 ] وفهمها، في عملية " الاستيعاب " الكامل للحضارة التقنية المعاصرة، سبق أن فصلناها من قبل، ونوجزها هـنا فيما يلي:

* إن " الاستيعاب " الكامل للحضارة التقنية المعاصرة، يعني استيعاب الأصول والطرائق والنظم. أما الدقائق، فهذه لا يمكن لأصحاب الحضارة منحها، وإنما تدرك بالممارسة الواعية، والتفاعل البناء.

* ألا تسبق الحالة العلمية للأمة، الحالة التقنية فيه بكثير، وإلا أدى ذلك إلى انفصال العلم عن التقنية.

* لا يمنع ذلك من وجود فئة من المتخصصين في الجامعات، ومراكز البحوث، توقف نفسها للعلوم، وتتوفر عليها عند مشارفها، وتكون مهمتها التطوير المستمر للعلوم، لتصبح أكثر ملاءمة لتحقيق الهدف التقني المنشود.

إن " استيعاب " العصر بحضارته الباسقة، وتحدياتها المضنية، ليس مقالا يكتب، أو كتابا ينشر، أو حديثا يذاع، أو خطبة تلقى، أو كلاما يقال، أو بضاعة تباع، ولكنه معاناة، وجهاد، تسهم فيه الأمة، بكل مؤسساتها، ومعاهدها، ومعاملها، ورجالها، وتعقد عليه العزم للبناء، والمثابرة، وتسقط في سبيله من حياتها، مظاهر الترف والدعة، والركون إلى الاستسلام والتواكل، حتى تستطيع أن تتهيأ لعملية الاستيعاب المعاصر، وتقيم البناء الحضاري على عمد ثابتة راسخة ومتينة، تلتزم فيه ومن خلاله، بإعادة النظر بصورة جذرية ومعمقة، في كل نظم حياتها، ووسائل معيشتها، في إطار عقيدتها السمحة، وفي نطاق قيمها الرفيعة، متمسكة بالسير على طريق الحق المستقيم، وهو طريق واضح وبين، وإن توالت خطواتها عليه بإذن ربها، تحقق وعده لها، مصداقا لقوله جل شأنه:

( وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) " الجن:16 " صدق الله العظيم.

التالي السابق


الخدمات العلمية