الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الموقف الخامس

موقف التشدد في الوسائل كالتشدد في المقاصد والمناهج، وعلاقته بقاعدتي : ( للوسائل حكم المقاصد ) ، و ( يغتفر في الوسائل مالا يغتفر في المقاصد ) .

كثيرا ما يعامل الدعاة الوسائل الدعوية معاملتهم للمقاصد الشرعية، والمبادئ والمناهج الدعوية، ويشددون في الأحكام فيها غافلين عن القاعدة القائلة : (يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد ) [1] ، ومحتجين بالقاعدة القائلة : (للوسائل حكم المقاصد ) [2] ، التي لم يفهموها على وجهها الصحيح، ومغفلين معنى القاعدة الثانية ! [ ص: 166 ]

حيث أراد العلماء بالقاعدة الأولى : (أن الأفعال التي تؤدي إلى المقاصد يختلف حكمها باختلاف حكم المقاصد، فإن كان المقصود واجبا، فوسيلته واجبه، وإن كان محرما فوسيلته محرمة، وإن كان مندوبا فوسيلته مندوبة، وإن كان مكروها فوسيلته مكروهة، وإن كان مباحا فوسيلته مباحة.. ) [3]

كما أرادوا بالقاعدة الثانية القائلة : ( يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد ) :

أن الشرع يتسامح في باب الوسائل، فيجيز بعض الأفعال التي لا يتسامح بمثلها في باب المقاصد، ولا يجيزها فيه.

فباب الوسائل أوسع من باب المقاصد، وقد يشترط في الأفعال التي هـي مقاصد ما لا يشترط في الأفعال التي هـي وسائل, ومثلها كمثل الكبائر والصغائر، فإن الشارع لم يشدد في الصغائر كما شدد في الكبائر، فتوعد صاحب الكبائر بالنار أو الحد أو اللعنة والغضب، ولم يتوعد صاحب الصغائر بذلك.

وجعل كثيرا من الطاعات كفارة للصغائر دون الكبائر، وجعل اجتناب الكبائر حسنة يكفر الله بها الصغائر، وفي هـذا يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: (أو يقال : الكبائر ما كان تحريمه تحريم المقاصد، والصغائر ما حرم تحريم الوسائل [4] [ ص: 167 ]

وهذا يقوى المعنى المقصود، وهو أن الشارع الحكيم يغتفر في باب الوسائل ما لا يغتفر في باب المقاصد [5] .

وقد وصل التشدد في جانب الوسائل ببعض الدعاة إلى أن يصفوها بأنها (توقيفية ) غير اجتهادية، ومنعوا كل وسيلة دعوية لم يرد في مشروعيتها نص، أو لم يرد استعمالها في زمنه صلى الله عليه وسلم [6]

كما جعل بعضهم الوسائل الدعوية من الثوابت التي لا تقبل التغيير والتطور، شأنها في ذلك شأن المبادئ والأصول الدعوية !!

ولو تبصر الدعاة في هـذه المسألة، لعلموا أن القول بتوقيفية الوسائل يصير بالدعوة الإسلامية إلى الجمود والانحسار، في وقت تطورت فيه الوسائل الدعوية تطورا مذهلا كما هـو مشاهد. [ ص: 168 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية