الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ووقت الظهر من زواله ) أي ميل ذكاء عن كبد السماء ( إلى بلوغ الظل مثليه ) وعنه مثله ، وهو قولهما وزفر والأئمة الثلاثة . قال الإمام الطحاوي : وبه نأخذ . وفي غرر الأذكار : وهو المأخوذ به . وفي البرهان : وهو الأظهر . لبيان جبريل . وهو نص في الباب . وفي الفيض : وعليه عمل الناس اليوم وبه يفتى ( سوى فيء ) [ ص: 360 ] يكون للأشياء قبيل ( الزوال ) ويختلف باختلاف الزمان والمكان ، ولو لم يجد ما يغرز اعتبر بقامته وهي ستة أقدام بقدمه من طرف إبهامه .

التالي السابق


( قوله من زواله ) الأولى من زوالها ط .

( قوله : عن كبد السماء ) أي وسطها بحسب ما يظهر لنا ط .

( قوله : إلى بلوغ الظل مثليه ) هذا ظاهر الرواية عن الإمام نهاية ، وهو الصحيح بدائع ومحيط وينابيع ، وهو المختار غياثية واختاره الإمام المحبوبي وعول عليه النسفي وصدر الشريعة تصحيح قاسم واختاره أصحاب المتون ، وارتضاه الشارحون ، فقول الطحاوي وبقولهما نأخذ لا يدل على أنه المذهب ، وما في الفيض من أنه يفتى بقولهما في العصر والعشاء مسلم في العشاء فقط على ما فيه ، وتمامه في البحر .

( قوله : وعنه ) أي عن الإمام ح . وفي رواية عنه أيضا أنه بالمثل يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر إلا بالمثلين ذكرها الزيلعي وغيره ، وعليها فما بين المثل والمثلين وقت مهمل .

( قوله : مثله ) منصوب ببلوغ المقدر والتقدير وعن الإمام إلى بلوغ الظل مثله ح .

( قوله : وهو نص في الباب ) فيه أن الأدلة تكافأت ولم يظهر ضعف دليل الإمام ، بل أدلته قوية أيضا كما يعلم من مراجعة المطولات وشرح المنية . وقد قال في البحر : لا يعدل عن قول الإمام إلى قولهما أو قول أحدهما إلا لضرورة من ضعف دليل أو تعامل ، بخلافه كالمزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما كما هنا .

( قوله : وعليه عمل الناس اليوم ) أي في كثير من البلاد ، والأحسن ما في السراج عن شيخ الإسلام أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل ، وأن لا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين ليكون مؤديا للصلاتين في وقتهما بالإجماع ، وانظر هل إذا لزم من تأخيره العصر إلى المثلين فوت الجماعة يكون الأولى التأخير أم لا ، والظاهر الأول بل يلزم لمن اعتقد رجحان قول الإمام تأمل . ثم رأيت في آخر شرح المنية ناقلا عن بعض الفتاوى أنه لو كان إمام محلته يصلي العشاء قبل غياب الشفق الأبيض فالأفضل أن يصليها وحده بعد البياض .

( قوله : سوى فيء ) بوزن شيء : وهو الظل بعد الزوال ، سمي به ; لأنه فاء أي رجع من جهة المغرب إلى المشرق ، وما قبل الزوال إنما يسمى ظلا ، وقد يسمى به ما بعده أيضا ولا يسمى [ ص: 360 ] ما قبل الزوال فيئا أصلا سراج ونهر .

( قوله : يكون للأشياء قبيل الزوال ) أشار إلى أن إضافة الفيء إلى الزوال لأدنى ملابسة لحصوله عند الزوال فلا تعد إضافته إليه تسامحا درر ، أي خلافا لشرح المجمع من أنها تسامح ، وتبعه في النهر ; لأن التسامح كما قال بعض المحققين استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا لعلاقة ، وهذه الإضافة مجاز في الإسناد ; لأن الفيء إنما يسند حقيقة للأشياء كالشاخص ونحوه لا للزوال .

قلت : لكن يرد أن الظل لا يسمى فيئا إلا بعد الزوال كما علمت ، وبه اعترض الزيلعي على التعبير بفيء الزوال أي فهو مجاز لغوي عن الظل ، وإسناده إلى الزوال مجاز عقلي كما علمت لا لغوي أيضا . ولا تسامح ; لأنه ليس فيه استعمال كلمة في غير ما وضعت له ، والظاهر أنه مراد القهستاني حيث جعل في الكلام مجازين فافهم .

( قوله : ويختلف باختلاف الزمان والمكان ) أي طولا وقصرا وانعداما بالكلية كما أوضحه ح .

( قوله : ولو لم يجد ما يغرز ) أشار إلى أنه وجد خشبة يغرزها في الأرض قبل الزوال وينتظر الظل ما دام متراجعا إلى الخشبة فإذا أخذ في الزيادة حفظ الظل الذي قبلها فهو ظل الزوال ح : وعن محمد : يقوم مستقبل القبلة ، فما دامت الشمس على حاجبه الأيسر فالشمس لم تزل وإن صارت على حاجبه الأيمن فقد زالت ، وعزاه في المفتاح إلى الإيضاح قائلا إنه أيسر مما سبق عن المبسوط من غرز الخشبة إسماعيل .

( قوله : اعتبر بقامته ) أي بأن يقف معتدلا في أرض مستوية حاسرا عن رأسه خالعا نعليه مستقبلا للشمس أو لظله ويحفظ ظل الزوال كما مر ، ثم يقف في آخر الوقت ويأمر من يعلم له على منتهى ظله علامة ، فإذا بلغ الظل طول القامة مرتين أو مرة سوى ظل الزوال فقد خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر ، وإن لم يعلم علامة يكيل بدلها ستة أقدام ونصفا بقدمه وقيل سبعة .

( قوله : من طرف إبهامه ) حال من قوله بقدمه ، أشار به إلى الجميع بين القولين ; لأنه قيل إن قامة كل إنسان ستة أقدام ونصف بقدمه . وقال الطحاوي وعامة المشايخ : سبعة أقدام : قال الزاهدي : ويمكن الجمع بينهما بأن يعتبر سبعة أقدام من طرف سمت الساق وستة ونصف من طرف الإبهام ، و إليه أشار البقالي . ا هـ . حلية :

أقول : بيانه إذا وقف الواقف على رجله اليسرى ثم نقل اليمنى ووضع عقبها عند طرف إبهام اليسرى ثم نقل اليسرى كذلك وهكذا ست مرات ، فإن بدأ بالاعتبار من طرف سمت الساق ، يعني من طرف عقب اليسرى التي كان واقفا عليها أولا كان سبعة أقدام ، وإن بدأ بالاعتبار من طرف إبهامها كان ستة أقدام ونصف قدم .

ووجه ذلك أن المطلوب أخذ طول ارتفاع القامة ، ومبدأ ارتفاعها من جهة الوجه عند نصف القدم ومن جهة القفا عند طرف العقب ، فمن لاحظ الأول اعتبر نصف القدم التي كان واقفا عليها وقدر القامة بستة أقدام ونصف ومن لاحظ الثاني اعتبر القدم المذكورة بتمامها وقدر بسبعة ، وعلى كل فالمراد واحد ، وهذا الذي قررناه هو الموافق لما رأيته في بعض كتب الميقات . وحاصله إن حسب كل القدم التي كان واقفا عليها كان سبعة أقدام ، وإن حسب نصفها كان ستة أقدام ونصفا فافهم .




الخدمات العلمية