الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الخامس : أن لا يكون فيه شبهة استحقاق للسارق وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : سرق مستحق الدين مال المدين ، نص أنه لا قطع ، فقيل بإطلاقه ، والأصح : التفصيل ، فإن أخذه لا بقصد استيفاء الحق ، أو بقصده والمدين غير جاحد ولا مماطل قطع ، وإن قصده وهو جاحد أو مماطل ، فلا قطع ، ولا فرق بين أن يأخذ من جنس حقه ، أو من غيره ، وقيل : يختص بمن أخذ جنس حقه ، والصحيح الأول ، ولو أخذ زيادة على قدر حقه ، فلا قطع على الصحيح ; لأنه إذا تمكن من الدخول [ ص: 120 ] والأخذ ، لم يبق المال محرزا عنه ، وقيل : إن بلغت الزيادة نصابا وهي مستقلة ، قطع .

                                                                                                                                                                        الثانية : من يستحق النفقة بالبعضية على المسروق منه ، لا يقطع بسرقة ماله ، ويقطع بسرقة مال الأخ وسائر الأقارب ، ولو سرق أحد الزوجين مال الآخر ، إن لم يكن محرزا عنه ، فلا قطع ، وإلا فثلاثة أقوال ، أظهرها : يقطع ، والثاني : لا ، والثالث : يقطع الزوج دون الزوجة ، وقيل : يقطعان بلا خلاف ، قال الأصحاب : ومن لا يقطع بسرقة مال شخص ، لا يقطع عبده بسرقة مال ذلك الشخص ، فلا يقطع العبد بسرقة مال أبي سيده وابنه ، وفي قطع عبد أحد الزوجين بسرقته مال الآخر الخلاف ، وفي وجه يقطع العبد وإن لم يقطع سيده ، ورجحه الإمام ، والصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور هو الأول ; لأن يد العبد كيد السيد ، ولو سرق مكاتب أحد الزوجين مال الآخر وقلنا : لا قطع على العبد فوجهان ، كما لو سرق المكاتب مال سيده ، ففيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        وعن القاضي حسين أنا إذا لم نقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر ، ينبغي أن لا يقطع ولد أحدهما بسرقة مال الآخر ، وغلط القاضي في ذلك ، ولو كان لرجل زوجتان ، سرقت إحداهما مال الأخرى ، أو سرق مال زوجة أبيه ، أو ابنه ، فالمذهب وجوب الحد ، ولا يقطع العبد بسرقة مال سيده بخلاف ما لو زنى بجاريته ، والمدبر وأم الولد ومن بعضه حر في كل ذلك كالقن ، وكذا المكاتب في الأصح ، ولا خلاف أن السيد لا يقطع بما في يد مملوكه وإن قدرنا له ملكا ، ولو سرق ممن بعضه مملوكه ما ملكه ببعضه الحر ، قال القفال : لا يقطع ، وقال الشيخ أبو علي : يقطع .

                                                                                                                                                                        الثالثة : لو أخذ المال على صورة السرقة على ظن أن المأخوذ [ ص: 121 ] ملكه ، أو ملك أبيه ، أو ابنه أن الحرز ملكه ، فلا قطع على الأصح للشبهة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في صور يتوهم أنها شبهة ، وليست مؤثرة ، فلا أثر لكون المسروق مباح الأصل ، كالحطب والحشيش والصيد ومال المعدن ، ولا لكونه معرضا للفساد ، كالرطب والتين والرياحين والشواء والهريسة والجمد والشمع المشتعل ، ولو سرق عينا فقطع ، ثم سرقها من المالك الأول أو غيره ، قطع ثانيا ، ولا يشترط كون المسروق في يد المالك ، بل السرقة من يد المودع والمرتهن والوكيل وعامل القراض والمستعير والمستأجر ، توجب القطع ، والخصم فيها المالك ، وإذا قلنا : الماء لا يملك ، فلا قطع بسرقته ، وإن قلنا : يملك ، قطع في الأصح ، ووجه المنع أنه تافه ، ويجري الوجهان في سرقة التراب ; لأنه لا تقصد سرقته لكثرته ، ويجب القطع بسرقة المصحف وكتب التفسير والحديث والفقه ، وكذا الشعر الذي يحل الانتفاع به ، وما لا يحل الانتفاع به لا قطع فيه إلا أن يبلغ الجلد والقرطاس نصابا ، ويجب القطع بسرقة قرون الحيوان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية