الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 127 ] المسألة الرابعة : الخيام بربطها وتنضيد الأمتعة فيها له تأثير في الاستغناء عن دوام اللحاظ المعتبر في الأمتعة الموضوعة في الصحراء ، لكنها ليست كالدور في الحصانة ; لأنها في نفسها قابلة للسرقة ، فإذا ضرب في صحراء خيمة ، وآوى إليها متاعا ، فسرق منها ، أو سرقت هي ، نظر إن لم يشد أطنابها ، ولم يرسل أذيالها ، فهي وما فيها كالمتاع الموضوع في الصحراء ، وإن شدها بالأوتاد وأرسل أذيالها ، فإن لم يكن صاحبها فيها ، فلا قطع ، وقيل : الخيمة محرزة دون ما فيها ، والصحيح الأول ، وإن كان صاحبها في نفسها مستيقظا ، أو نائما ، أو نام بقربها ، وجب القطع بسرقتها أو سرقة ما فيها لحصول الإحراز في العادة ، قال الأئمة : والشرط أن يكون هناك من يتقوى به ، فأما إذا كان في مفازة بعيدة عن الغوث وهو ممن لا يبالى به ، فليس بحرز ، ولو ضرب خيمة بين العمارة ، فهو كالمتاع الموضوع بين يديه في السوق ، وهل يشترط إسبال باب الخيمة إذا كان من فيها نائما ؟ وجهان ، أصحهما : لا ، ولو شدها بالأوتاد ولم يرسل أذيالها وكان يمكن دخولها من كل وجه ، فهي محرزة وما فيها ليس بمحرز ، هكذا ذكروه ، وقد يفهم منه أن الأمتعة والأحمال إذا شد بعضها ببعض تكون محرزة بعض الإحراز ، وإن لم يكن هناك خيمة ، ولو أن السارق يجيء النائم في الخيمة ، ثم سرق ، فلا قطع ; لأنها لم تكن حرزا حين سرق .

                                                                                                                                                                        الخامسة : المواشي في الأبنية المغلقة الأبواب محرزة إن اتصلت بالعمارة ، سواء كان صاحبها فيها أم لم يكن ، للعادة ، وإن كانت في برية ، لم تكن محرزة إلا إذا كان صاحبها فيها مستيقظا أو نائما ، فإن كان الباب مفتوحا ، اشترط كونه مستيقظا ، ويكفي أن يكون المراح من حطب أو حشيش ، وأما في غير الأبنية فلها أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن تكون الإبل ترعى في صحراء ، فهي محرزة إذا كان [ ص: 128 ] معها حافظ يراها جميعا ، ويبلغها صوته ، فإن لم ير بعضها ، لكونه في وهدة أو خلف جبل أو حائط ، فذلك البعض غير محرز ، ولو نام ، أو تشاغل لم تكن محرزة ، ولو لم يبلغ صوته بعضها ففي " المهذب " وغيره أن ذلك البعض غير محرز ، وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاء بالنظر ; لأنه إذا قصد ما يراه أمكنه العدو إليه ، وحكم الخيل والبغال والحمير وهي ترعى حكم الإبل ، وكذا الغنم إذا كان الراعي على نشز من الأرض يراها جميعا فهي محرزة إذا بلغها صوته ، وإن كانت متفرقة .

                                                                                                                                                                        الثاني : أن تكون سائرة ، أما الإبل فإن كانت مقطورة يسوقها سائق ، فمحرزة إن انتهى نظره إليها ، وإن كان يقودها اشترط أن ينظر إليها كل ساعة ، وينتهي نظره إليها إذا التفت ، فإن كان لا يرى البعض لحائل جبل أو بناء ، فذلك البعض غير محرز ، وحكى ابن كج وجها أنه لا يشترط انتهاء النظر إلى آخرها ، وليجيء هذا في سوقها ، ولو ركب الحافظ أولها فهو كقائدها ، ولو ركب غير الأول ، فهو لما بين يديه كسائق ، ولما خلفه كقائد ، وحيث يشترط انتهاء نظره إليها ففي اشتراط بلوغ الصوت ما سبق ، وقد يستغنى بنظر المارة عن نظره إذا كان يسيرها في سوق مثلا ، أما إذا لم تكن مقطورة ، بأن كانت تساق أو تقاد ، فمنهم من أطلق أنها غير محرزة ; لأنها لا تسير هكذا غالبا ، وبهذا قطع البغوي وقال صاحب الإفصاح : المقطورة وهذه سواء ، وبهذا أخذ الروياني ، المعتبر أن تقرب منه ، ويقع نظره عليها ، ولا تعتبر صورة القطر ، فإن اعتبرناه ، فيشترط أن لا يزيد القطار الواحد على تسعة للعادة الغالبة ، فإن زاد فهي كغير المقطورة ، ومنهم من أطلق ذكر القطر ولم يقيد بعدد ، والأصح توسط ذكره أبو الفرج السرخسي فقال : في الصحراء لا يتقيد بعدد ، وفي العمران يعتبر ما جرت العادة بأن [ ص: 129 ] يجعل قطارا ، وهو ما بين سبعة إلى عشرة ، فإن زاد ، لم تكن الزيادة محرزة ، والخيل والبغال والحمير والغنم السائرة ، كالإبل السائرة إذا لم تكن مقطورة ، ولم يشترطوا القطر فيها ، لكنه معتاد في البغال ، ويختلف عدد الغنم المحرزة بالواحد بالبلد والصحراء .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن تكون الإبل مناخة ، فإن لم يكن معها أحد ، فليست محرزة ، وإن كان معها صاحبها ، فإن كانت معقولة ، لم يضر نومه ولا اشتغاله عنها ؛ لأن في حل المعقولة ما يوقظ النائم والمشتغل ، وإن لم تكن معقولة اشترط أن ينظر إليها ويلاحظها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الطعام على دابة محرزة محرز ، فيقطع سارقه سواء من الوعاء ، أو مع الوعاء ، أو مع الدابة ، ولو ساق بقرة وتبعها عجلها ، فإنما يكون العجل محرزا إذا قرب منه بحيث يراه إذا التفت ، وأن يلتفت كل ساعة كما سبق في قائد القطار ، وعن المسعودي أن الغنم المرسلة في سكة تشرع إليها أبواب الدور لا تكون محرزة حتى تأوي إلى موضع ، وليكن هذا فيما إذا كثرت ، وتعذرت الملاحظة ، ومن دخل مراحا ، وحلب الغنم ، أو جز صوفها وأخرج منه نصابا ، قطع .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية